للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الانتصار، وترك لبس صالح الثياب تواضعاً، مع القدرة على الصالح منها، وإنما شرف العملان هنا بالقدرة على ما يضادها، فظهر أن الباعث عليها هو إيثار مراضاة الرب، وهذا بخلاف ما لو تحقق العملان المذكوران من غير قدرة على ما سواهما، كمن كظم غيظه من غير قدرة على إنفاذه، ولبس غير الصالح لعجزه عن الصالح، فلا الأن الأجرين المذكورين.

ومما يدخل في هذا الباب أيضاً ترك المراء لمن كان محقاً، على ما ورد فضل ذلك في الحديث عن النبي أنه قال: «أنا زعيم ببيت في ربض (١) الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً … » (٢)، فترتب على من ترك المراء في هذه الحالة هذا الفضل العظيم، لقوة الدافع على المماراة بسبب كون الممارى محقاً وحجته على خصمه ظاهرة، ونصره عليه متحققاً، فترك المراء مع كل هذا، دليل على قوة الإيمان وإيثار ما عند الله على نشوة النصر، وحب العلو في الأرض.

وهكذا كل عمل صالح ضعفت دواعي فعله، وقويت أسباب تركه أو المخالفة فيه، فإنه يعظم أجره بسبب ما يحصل من المجاهدة، ومدافعة الهوى، والصبر على الطاعة فيه.

٢ - حال قدرة العامل على بعض الأعمال وإتقانها دون غيرها من الأعمال، فاشتغال العبد بما يقدر على تأديته على وجه الإتقان أفضل من اشتغاله بغيره مع عدم الإتقان.

والأصل الذي عليه مبنى هذه المسألة أن الله تعالى بحكمته البالغة، قد فاضل بين الخلق في قدراتهم البدنية، والعقلية، والنفسية، كما فضل بعضهم على بعض في الأرزاق وهم بحسب ذلك: يتفاوتون في القدرة على بعض الأعمال دون


(١) ربض الجنة ما حولها خارجاً عنها، تشبيهاً بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع. النهاية لابن الأثير ٢/ ١٨٥.
(٢) أخرجه أبو داود ٥/ ١٥٠ ح (٤٨٠٠) وقد حسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة ح (٢٧٣).

<<  <   >  >>