للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك البواعث الحاملة على الزنا بمن دعت إليه من ذات منصب وجمال، عظيمة جداً، من كون هذه المرأة طالبة لهذا الأمر بنفسها، مجتهدة في وقوعه، ومن كونها ذات منصب، يخشى من سطوتها عند المخالفة، ويرجى نفعها عند الموافقة، وهي مع هذا ذات جمال، يرغب فيها مع التجرد من كل ما سبق، فكيف وقد اجتمعت فيها الأسباب كلها، فلا شك أن عدم مطاوعتها لطلبها ممن دعته لذلك من الرجال دليل على عظم خشية الله في قلب ذلك الرجل، وشدة المراقبة لله في نفسه قال الحافظ ابن حجر: «والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب، لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها، لا سيما وقد أعنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها». (١)

ولهذا استحق هؤلاء الأصناف الثلاثة ذلك الثواب العظيم من الله، بأن يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما استحق غيرهم من باقي الأصناف السبعة ذلك الثواب، لأسباب أخرى تحققت في أعمالهم فتميزت بها عن غيرها.

ومن صور هذه المسألة ما جاء في حديث معاذ بن أنس الجهني عن النبي أنه قال: «من كظم غيظه، وهو يقدر على أن ينتصر، دعاه الله على رؤوس الخلائق، حتى يخيره في حور العين، أيتهن شاء، ومن ترك أن يلبس صالح الثياب وهو يقدر عليه، تواضعاً لله ، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حلل الإيمان أيتهن شاء». (٢)

فدل الحديث على فضل هذين العملين، وهما كظم الغيظ مع القدرة على


(١) فتح الباري ٢/ ١٤٥.
(٢) أخرجه أحمد في السنن ٢٤/ ٣٨٤ ح (١٥٦١٩) وأبو داود ٥/ ١٣٧ ح (٤٧٧٧) والترمذي ٤/ ٣٧٢ ح (٢٠٢١) وقال: (حسن غريب) وابن ماجه ٢/ ١٤٠٠ ح (٤١٨٦) وحسن الحديث الألباني في صحيح ابن ماجه ٢/ ٤٠٧ ح (٣٣٧٥).

<<  <   >  >>