الوجه الأول: أن الإمام أبا حنيفة ﵀ كانت له أقوال أنكرها عليه كثير من العلماء، كقوله في الإيمان: إنه التصديق، وإخراجه العمل من مسمى الإيمان، وتوسعه في القياس، وما نُسب إليه من عدم أخذه بأخبار الآحاد إلا بعد عرضها على النصوص الأخرى، فإن وافقت وإلا ردها، وما نسب إليه كذلك من القول بخلق القرآن -وإن كان هذا لا يثبت عنه-.
قال الإمام ابن عبد البر:«كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة؛ لرده كثيرًا من أخبار العدول، لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتمع عليه من الأحاديث ومعاني القرآن، فما شذ من ذلك رده وسماه شاذًّا، وكان أيضًا يقول: الطاعات من الصلاة وغيرها لا تُسمى إيمانًا، وكل مَنْ قال من أهل السنة: الإيمان قولٌ وعملٌ، ينكرون قوله ويبدعونه بذلك، وكان مع ذلك محسودًا لفهمه وفطنته»(١).
والذي يظهر لي -والله أعلم-: بعد تتبع ما جاء عن الأئمة في الطعن على أبي حنيفة أنه لا يخلو من أحوال:
الأول: أن ما قيل فيه مما يتناسب مع أخطائه فهذا نقد بحق ونصح للأمة، ولا يسع عالِمًا وقف على خطأ لآخر إلا التحذير من ذلك الخطأ، والأئمة الذين حذروا من أخطاء أبي حنيفة ﵀ مأجورون على ذلك ممدوحون غير مذمومين، والإمام أبو حنيفة يُرجَى له من الله المغفرة، فهو إمام مجتهد، والمجتهد المخطئ مغفور له خطؤه، ومأجور على اجتهاده.
(١) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء (ص ١٤٩).