وقد كان من منهاج السابقين الأولين في التعلم تلقي الإيمان قبل العلم، كما قال البيهقي [٥٠٧٣] أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي المعروف الفقيه المهرجاني بها ثنا أبو سهل بشر بن أحمد بن بشر أنبأ أبو محمد الحسن بن علي القطان ثنا عبيد بن جناد الحلبي ثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن القاسم بن عوف قال سمعت عبد الله بن عمر يقول: لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد ﷺ فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلمون أنتم اليوم القرآن. ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه فينثره نثر الدقل اه [ك ١٠١]
وفي الصحيحين عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله ﷺ حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة وحدثنا عن رفعها. فذكر الحديث [خ ٦١٣٢] وله نظائر كثر، وهو في القرآن كثير كقول الله تعالى (هدى للمتقين)[البقرة ١] وقوله سبحانه (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)[يونس ٥٧] فبين أنه هدى للمؤمنين خاصة، وقال تعالى (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين)[يوسف ٢٢] فمن جاء محسنا رزق حسن الفهم بخلاف المنافقين فإنهم لما حرموا الإيمان حرموا الفقه (فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)[المنافقون ٣]
فرُبي الصحابة على هذا المنهاج، يستقبل القرآن والسنة قلوب زكية تفهم إذا خوطبت، وتجد للوم والعتاب وقعه. فلما ترك هذا المنهج نُسيت كثير من الصيغ الدالة على الأحكام، مثل (فهل أنتم منتهون)[المائدة ٩١] ونحوها، رآها بعض الناس غير صريحة في التحريم! وهي أوقع في القلوب من لفظ حرمت ونحوها ..
ومن ذلك أسماء الله الحسنى دالة على الأحكام، وهي تذكر في سياقها مثل قول الله تعالى في آية الحرابة (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم)[المائدة ٣٤]، ومنه ما روى أحمد [١٢٦١٣] ثنا سريج ويونس بن محمد قالا ثنا حماد بن سلمة عن قتادة وثابت البناني عن أنس بن مالك قال: غلا السعر على