للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأحصن من تسور الذين يستعجلون. فإذا بقي العلم في صدر العالم ينزله على ما تعلم من الحكمة لم يثبت معه إلا من اصطفي ليكون في الناس أمة بعده، وينقشع دونهم من كان صاحب حاجة (١) ..

فلما فتح المصحف مع موت العلماء قرأه الرجل والمرأة والصغير والكبير والمؤمن والمنافق كما أخبر معاذ، فظهر الاستعجال على حفظ القرآن (٢)، وتُركت سنة تعلمه على مكث عند أهله، فنشأ سوء الفهم وضرب أقوام كتاب الله بعضه ببعض .. وكان أول من سن ذلك الحرورية لما خرجوا على أهل العلم في التأويل، ثم خرجوا عليهم بالسيف.

ولما ظهرت كثرة التحديث وسرد الآثار جملة - وكان في العراق سنة جارية - نقص الفقهُ والعملُ والاقتداءُ بالأفعال وسنةُ البيان بها. واتفق أن ذهب الذين علموا فيم أنزلت الآيات والسنن، وصارت تروى الأحاديث منفكة عن سياقها الذي علمه الراسخون من أصحاب النبي (٣)، فاضطرب الفهم، وظهر الرأي، ونقص اليقين، ونجم الاختلاف في الدين ..


(١) - الموافقات المسألة الثانية من مباحث الفتوى من كتاب الاجتهاد.
(٢) - قال ابن أبي شيبة [٣٠٥٥٠] حدثنا وكيع عن خالد بن دينار عن أبي العالية قال: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن رسول الله كان يأخذه خمسا خمسا اه [صحيح عن أبي العالية] ثم قال حدثنا وكيع عن إسماعيل قال: كان أبو عبد الرحمن يعلمنا خمسا خمسا. وقال ابن سعد [٨٨٤٠] أخبرنا شهاب بن عباد قال حدثنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد قال: كان أبو عبد الرحمن يقرئ عشرين آية بالغداة وعشرين آية بالعشي ويخبرهم بموضع العشر والخمس ويقرئ خمسا خمسا يعني خمس آيات خمس آيات اه وقال البيهقي [الشعب ١٩٥٥] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس الأصم ثنا محمد بن إسحق ثنا إسحق بن عيسى قال: سمعت مالكا يوما عاب العجلة في الأمور ثم قال: قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين اه صحاح.
(٣) - قال ابن جرير [تهذيب الآثار ٧٧٨] حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال حدثنا حيوة بن شريح عن أبي صخر أن عبد الله بن عطاء بن مسافع مولى آل الزبير أخبره أن عروة بن الزبير أخبره أنه طاف بالبيت هو وأخوه، فإذا رجال يطوفون بين أيدينا، وهم يقولون: بلغنا أن رسول الله يقول: كذا وكذا. فقال لي عبد الله بن الزبير: ألا تسمع ما يقول هؤلاء يا أخي؟! لقد أخبرني الزبير بن العوام: أن رسول الله كان يقول القول فيمكث الزمان، ثم يقول قولا آخر ينسخ قوله الأول كما ينسخ القرآن بعضه بعضا، وإن هؤلاء يتكلمون به جميعا اه صحح سنده الطبري.

<<  <   >  >>