للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- السادس والعشرون: أن إطلاقهم لفظ "بدعة" "محدث" في معرض الذم والفتوى دليل على أن الوصف يغني عن الحكم، أي صار اللفظ "بدعة" علما على المذموم شرعا، ولو كان لفظ البدعة يحتمل إطلاقه على ما يستحسن لما استُغني بذكره عن ذكر حكمه، وهذا مثل قولهم: هذا رِبا، كما روى مسلم [٤١٦٨] من حديث عن أبي سعيد قال أتي رسول الله بتمر فقال: ما هذا التمر من تمرنا. فقال الرجل: يا رسول الله بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا. فقال رسول الله : هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا اه فلما استغنى بذكر الوصف (الربا) عن ذكر الحكم كان فيه دلالة على أنه كافٍ في إفادة المعنى وعَلَمٌ عليه في بابه. فكما لا يقال في الربا "ربا حسنة" كذلك لا يقال بدعة حسنة، لأنهما لا يجتمعان.

- السابع والعشرون: أن السنة لما حرمت البدع إنما أريدَ المستحسنة عند الناس، فسماها «بدعة» يقال: "لقد جئت بأمرٍ بديع، أي: مبتدع عجيب" (١) ويقال: أبدع الشاعر إذا جاء بالبديع المستحسَن الذي لم يسبق إليه، أي ما من بدعة إلا وأهلها يستحسنونها (كل حزب بما لديهم فرحون) [المؤمنون ٥٤] ومن هنا نفهم نكتة التفريق بين لفظي "البدعة" و "المحدثة" في قول النبي : "كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" والمعنى على كل محدثة زينة وبهجة تغر وكل ذلك ضلال. والله أعلم.

- الثامن والعشرون: أن في تكرار النهي عند كل مناسبة نكتة دل عليها معنى في المقاصد أن المؤكد في الخطاب هو ما خالف الهوى (٢)، فالبدع المنهي عنها إذاً ما استحسنتها النفوس، تكرر التأكيد على منعها لقوة أثرها، لذلك قال سفيان: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية اه فالتأكيد على منعها ليس لغوا، فينصرف إلى ما يراه صاحبه حسنا كما قال ابن عمر : وإن رآها الناس حسنة، لذلك ترى كثيرا من الخلق ينشطون للبدعة عند أول سماعها لأن الباطل خفيف، ولا ينشطون للسنة لأن الحق ثقيل، والشيطان يستخف بعض الخلق للبدع لما فيها من "الإبداع" الذي هو


(١) - العين للخليل مادة ب د ع.
(٢) - الموافقات كتاب المقاصد المسألة الثالثة من قصد الامتثال. والمسألة الخامسة من مباحث الأمر والنهي من كتاب الأدلة.

<<  <   >  >>