وروى الطحاوي [شرح معاني الآثار ٣٤٢١] حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: قلت لسالم لم نهى عمر ﵁ عن المتعة وقد فعل ذلك رسول الله ﷺ وفعلها الناس معه؟ فقال أخبرني عبد الله بن عمر ﵄ أن عمر ﵁ قال: إن أتم العمرة أن تفردوها من أشهر الحج، والحج أشهر معلومات، فأخلصوا فيهن الحج واعتمروا فيما سواهن من الشهور. فأراد عمر ﵁ بذلك تمام العمرة لقول الله ﷿(وأتموا الحج والعمرة لله) وذلك أن العمرة التي يتمتع فيها المرء بالحج لا تتم إلا بأن يهدي صاحبها هديا أو يصوم إن لم يجد هديا. وإن العمرة في غير أشهر الحج تتم بغير هدي ولا صيام. فأراد عمر ﵁ بالذي أمر به من ذلك أن يزار البيت في كل عام مرتين وكره أن يتمتع الناس بالعمرة إلى الحج فيلزم الناس ذلك فلا يأتون البيت إلا مرة واحدة في السنة اه تابعه ابن بكير [هق ٩١٣٤] فصرح أنه يراه أتم الأنساك، وأنه يحقق قصد الاختلاف إلى بيت الله وعمرانه.
ثم ذهب ناس من أهل العلم بعدهم إلى أن التمتع أفضل لقول النبي ﷺ: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت مع الناس حين حلوا [خ ٦٨٠٢] ومحال أن يعزب هذا المعنى عن الخلفاء وهم مع رسول الله كانوا، وسمعوا ما استدل به من خالفهم .. وأُمرنا باتباعهم (١) ..
وإنما وجه ذلك ما قال ابن عباس عن المشركين قبلُ [خ ٣٦٢٠]: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من الفجور في الأرض، وكانوا يسمون المحرم صفرا، ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر حلت العمرة لمن اعتمر. قال فقدم رسول الله ﷺ وأصحابه رابعة مهلين بالحج وأمرهم النبي ﷺ أن يجعلوها عمرة. قالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال: الحل كله اه فبين أن قريشا كان مما أحدثوا في دين إبراهيم أن حرموا العمرة في أشهر الحج فأراد النبي ﷺ أن يكسر تلك البدعة بما أراه الله من
(١) - قال ابن أبي شيبة [١٤٥١٢] حدثنا حفص عن هشام عن ابن سيرين قال: أفرد أصحاب رسول الله ﷺ الحج بعده أربعين سنة، وهم كانوا لسنته أشد اتباعا أبو بكر وعمر وعثمان اه صحيح.