للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمعرفة، فهي موجودة في كتب كثيرة تجاهلها المؤلف، وإنما المقصود بيان تهافت العلمنة في رفضها لمشروع أسلمة المعرفة، وإلا ففي المقطع دعاوى تكشف حقيقة موقفه، مثل: أن الأسلمة لا تعني إلا رفض العلوم العالمية، فهذا مما يستسخفه أي عاقل، فما رُفض منها إلا ما يعارض الدين وهو الذي لا يصدق عليه اسم العلم؛ إذ نجده خليطًا من الأفكار والآراء والأهواء. ومثل اعتراضه على صور التأصيل، ولاسيّما قوله بعدم وجود نقد تاريخي للنص، والنقد التاريخي هنا هو في الحقيقة النقد الماركسي الذي لا يؤمن بوحي.

ويبقى بعد ذلك في مشروع الأسلمة سلامة الاستدلالات وصحة الاستنباطات وقوة النتائج، فهذا باب اجتهاد المجتهدين، ومحل النظر والتصويب المستمر، فلا تعني الإِسلامية بأنها إجابات قطعية، وليست كل مشروعات التأصيل مما يقبله الفكر الإِسلامي، ومع ذلك -ومع التسليم بما سبق- فإن صاحب المقطع السابق غير مؤهل لنقد موضوعي في الأبواب الاجتهادية؛ لأنه في الأصل كاره للدين من خلال ما سطر في كتبه.

المثال الثاني: تأخذ العلمنة عند الدكتور "محمد أركون" معنى أوسع، فهو يراها "موقفًا للروح وهي تناضل من أجل امتلاك الحقيقة أو التوصل إلى الحقيقة" (١)، "العلمنة هي: موقف للروح أمام مشكلة المعرفة. بمعنى: هل يحق للإنسان أن يعرف أسرار الكون والمجتمع أم لا يحق؟ هل نثق بعقله في استكشاف المجاهيل وقيادة التاريخ أم لا نثق؟ هل هو قادر بواسطة عقله، وعقله فقط، على فهم الأشياء واتخاذ القرار أم غير قادر؟ هنا يكمن الرهان الأخير للمسألة في نهاية المطاف. فالبعض يقول: إن الإنسان بحاجة إلى قوة خارجية "فوق طبيعية" لكي تسيّره وتسير أموره. والبعض الآخر يقول: لا، إن الإنسان قادر بحدّ ذاته على تسيير أموره وحلّ مشاكله وتشكيل الصيغة الأجمل والأفضل للحياة في المجتمع. وفي الحالة الأولى نكون من أتباع الإنسية الدينية، وفي الحالة الثانية من أتباع الإنسية الحديثة. . . ." (٢).


(١) انظر: العلمنة والدين - الإِسلام، المسجية، الغرب، محمَّد أركون ص ١٠، ترجمة هاشم صالح.
(٢) نقد واجتهاد، محمَّد أركون ص ٢٧٨، ترجمة هاشم صالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>