للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مباشر وعلى شهوة جامحة إلى السلطة؟ " (١)، ومن الأمثلة التي ذكرها: علم الاجتماع، فأكد أن أسلمته لا تفيد إلا "رفض علوم الاجتماع العالمية بحجة غرابتها وإجرائها حكم سنن المجتمع على الدين مما ينزع عنه صفة الوحي"، وعندما يضعون القرآن مصدرًا للمعرفة التاريخية فإنهم لا يراعون الوقائع التاريخية، فلا يوجد نقد تاريخي للنص ذاته، واستخراج قوانين اجتماعية من القرآن فيه تحميل للنص ما لا يحتمل، وتوضع الأمور الأخلاقية وكأنها قوانين طبيعية (٢).

يحمل المقطع السابق تجاهلًا غير مبرر لنشاط إسلامي ضخم يجيب عن تساؤله حول فائدة الأسلمة، وهو الذي ألمح إلى كثرة الدول والجامعات والمراكز التي تبحث الموضوع ثم تجده يكتفي بهذا التقليل من قيمة هذا النشاط عبر تجاهل فائدته وأهميته. إن تساؤلات المقطع السابق هي أوضح في باب العلمنة وليس في باب الأسلمة، فالعلمنة ليست هي العلم وإنما هي إطار يعمل فيه العلم، ولذا لا تُساءل عادة عن الفائض المعرفي الذي تحققه العلمنة للعلم وإنما عن أثر الإطار في رعاية العلم وحيويته وتقدمه ونفعه، وهنا يقع المشروع الإِسلامي الضخم، إنه في إبدال الإطار العلماني بإسلامي، ويكفي هذا المشروع شرفًا أنه يزيل المشكلات التي أعاقت نموه في البلاد الإِسلامية، من أهمها إدخاله لبلاد المسلمين بمشكلاته مع الدين هناك، وهي مشكلات صنعها العلمانيون هناك وأراد المتغربون نقلها إلينا، فوقع التصادم فتعطل النفع الحقيقي بهذه العلوم وتعطل نموها وتطورها، فالاتجاه العلماني الذي شارك بقوة في نقل الحضارة الغربية مصمم على إدخالها بكل ما فيها، كل مجموعة بما سبق إلى أذهانهم من تصورات تيارات الفكر الغربي، وقد جاء الوقت الذي يجب فيه إيقاف هذه الفوضى، فإن النموذج الغربي ليس نموذجًا كونيًا مطلقًا يجب احتذاؤه حذو القذة بالقذة وإنما هو نموذج تاريخي ارتبط بوضع مأساوي مع الدين ولابد من تجاوزه.

ليس هنا مجال ذكر الفوائد المرجوة من مشروع التأصيل الإِسلامي


(١) انظر: المرجع السابق ص ٥٣.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>