للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يراها عقيدته بالمعنى الإيماني لكلمة عقيدة (١)، وكما يرى الباحث الجزائري "عبد الرزاق قسوم" بأن العلمانية عند "أركون": "هي الوسيلة العظمى أمام المجتمع الإِسلامي لتحقيق التقدم والحداثة" (٢)، ويرى "أركون" بحسب الباحث نفسه "أن العقل الديني في الإِسلام يخنق البحث العلمي" ثم يرد على مقولته المشينة (٣).

وتواجه هذه العلمنة عند "أركون" مسؤوليتين أولاهما: "كيف نعرف الواقع بشكل مطابق وصحيح؟ أي: كيف يمكن أن نتوصل إلى معرفة تحظى بالتوافق الذهني والعقلي لكل النفوس السائرة -بغض النظر عن اختلافاتها- نحو التوصّل إلى الحقيقة. . . . هذا يفترض من الباحث أن يتجاوز كل الخصوصيات الثقافية والتاريخية حتى الدينية -أي: أن يتجاوز حتى الخصوصية الدينية التي وُلد عليها" (٤)، وثانيتهما: "بعد أن نتوصل إلى معرفة ما بالواقع، فإنه ينبغي أن نجد صيغة أو وسيلة ملائمة لتوصيلها إلى الآخر دون أن نشرط حريته أو نقيدها" (٥)، فهذا المعنى الذي يعرضه "أركون" هو مشترك بين كل الدعوات، بل هو دعوة لأهل الدين، وهو دعوة لأهل الحق، ولكن العبرة هنا هي في المضمون، والمضمون تكشفه التطبيقات المختلفة، وهي في جوهرها توضح العلمنة الأركونية في حقيقتها، فهي لا تعني الفصل السلبي بين الدين والعلم الذي يُركز عليه في أغلب الكتابات، ولا تعني فقط رؤية جديدة تحل محل الرؤية الدينية مع إقصاء الدين وهجره وإغفاله كما هي حال العلمانية المتطرفة، وإنما هي تزيد على ذلك بأنها مهمومة بدراسة الدين من منظور علماني معاصر، فهي لا تنفصل عنه ولا تقصيه فقط، وإنما تريد إدخاله ضمن العمل العلماني، وهو عمل يأخذ مسارات مختلفة، وأهمها: البحث التاريخي والبحث اللغوي والبحث الاستشراقي والدراسة الاجتماعية ثم النقد الفلسفي، ويبرز فيها مثلًا تطبيقات للعلوم


(١) أين هو الفكر الإِسلامي المعاصر، محمَّد أركون ص ٤١، ترجمة هاشم صالح.
(٢) ابن رشد اليوم -الأصولية والعلمانية في الشرق الأوسط ص ١٦.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ١٨.
(٤) العلمنة والدين .. ، محمَّد أركون ص ١٠.
(٥) انظر: المرجع السابق ص ١١، وانظر: الإِسلام، أوروبا، الغرب: رهانات المعنى وإرادات القوة، محمَّد أركون ص ١٠٢، ترجمة هاشم صالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>