للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يركز "العظمة" على التحليل التاريخي في رفضه لمشروع الأسلمة ببعده الماركسي، فالأسلمة -عنده- عبارة عن مشروع له ملابساته التاريخية الداخلية والخارجية، داخليًا يرتبط ببروز الإِسلام السياسي بعد الأفول النسبي للأفكار القومية (١)، ولها "بنيه تحتية" مؤسسية ومالية (٢)؛ أي: أنها ظاهرة تجد تفسيرها في التحليل التاريخي المعاصر. وكذا الحال خارجيًا، فهناك إطار كوني جديد هو المحفز الخارجي لهذه الظاهرة وهو "ما بعد الحداثة" التي تعني إنجاز الحداثة في الغرب واكتمالها هناك وعدم إمكانيتها للآخرين لعدم قابليتهم لها، فتأتي إسلامية المعرفة تأكيدًا متخلفًا عن عدم مسايرة الحداثة (٣).

والنتيجة من هذا التحليل هو التقليل من مشروع الأسلمة والانتقاص منه، ولكنه تحليل متسرع في تعميم النتائج، قد يكشف لنا التحليل التاريخي أسباب انتشار الصحوة الإِسلامية الهائل، ولكن ليس لهذا علاقة بمشروعاتها، فإن مسألة التأصيل ترتبط بالمنهج الإِسلامي منذ أن وجد الإِسلام، فما إن تعود الحياة للأمة وتحتاج إلى تأصيل قضايا جديدة حتى تجدها منخرطة في هذا العمل؛ لأنه من صميم الإِسلام، فالإِسلام يدعو إلى أن تكون الحياة كلها لله، ولذا تجد هذا الجهد التأصيلي مستمرًا ولا ينقطع، ولا يرتبط بمرحلة تاريخية. إذًا فالتحليل التاريخي ينقلب على صاحبه، إنه بمنطق العقل عليه وليس له، وهو إن أراد منه انتقاص المشروع الإِسلامي، فهو في الحقيقة يؤكد فاعلية الأمة وحيويتها وقدرتها على تجاوز التقليد الأعمى.

ولكن يبقى سؤال مهم قام بعرضه ومثّل عليه بأمثله، وهو: "ما الذي يستفاد من القول بالمعرفة الإِسلامية؟ وما الذي يجعل من الاقتصاد الإِسلامي اقتصادًا ليس كالاقتصاد؟ وما الذي يجعل من النعت الإِسلامي لعاديات الحياة ولعمليات الحس والوجدان نعتًا يفوق صفات الحياة والعقل ويتعالى عليها؟ وهل ثمة فائض معرفي يتبقى من التعيين الإِسلامي للمعرفة كما لفروعها كالطب والاقتصاد وإن وُسما بالصفة الإِسلامية إذا ما جردنا عن هذا التعيين قيامه على مشروع سياسي


(١) دنيا الدين في حاضر العرب، عزيز العظمة ص ٥٢.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٦٠.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٥٢ , ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>