للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقبولة مع الأيدلوجيات إلا أن يكون الاستدلال بعيدًا عن الانتقائية، ولا تكون النتيجة واضحة من البداية، وإنما تكون فعلًا حصيلة أسباب وأدلة حقيقية متكاملة.

الثاني: الكُرْه البارز للدين، المعلن والمضمر، وهذا بارز في إعلائه من كل موقف إلحادي واهتمامه بكل سباب للدين، ولا شك أن لهذا علاقة بأيدلوجية المؤلف السابقة.

عندها لا تكون العلمانية حتى من باب التنزّل فصلًا بين المجالين الديني والعلمي للرقي بهما أو بأحدهما كما هو في التجربة الغربية، ولا تكون العلمانية رؤية جديدة قائمة على العقل والعلم بدل الرؤية القديمة القائمة على الدين، وإنما هي أداة لهدم الدين أو تحجيمه وفي المقابل تقديم أيدلوجيا جديدة في الساحة.

ومما يؤكد هذا المعنى أن مفهوم "العلم" الذي يريد فصله عن الدين لا علاقة له في الحقيقة بالمجال العلمي الذي يشتغل عليه العلماء في العلوم الرياضية أو الطبيعية أو حتى الاجتماعية، وإنما هو فلسفات تم إحياؤها أو إبداعها في الغرب الحديث توازي النشاط العلمي الذي عرفه الغرب، على العكس من ذلك فإن هذه العلوم لو تركت على طبيعتها لما حدث ذاك التوتر المزعوم مع الدين، وأمثلته الكثيرة التي حشى بها كتابه لا يوجد منها في الحقيقة شيء من العلوم العصرية الحيادية التي لم تقحم في صراع مع الدين من خلال الفلسفات والأيدلوجيات العلمانية التي عرفها الغرب، وبهذا لا يكون هناك مبرر لتحمسه للعلمانية تحت ذريعة الفسح للعلم؛ لأن ما يريد الدفاع عنه ليس هو العلم المعروف في دوائر العلوم الطبيعية وإنما هو من دوائر الأفكار والفلسفات المرتبطة عادة بظروف حضارية تختلف من عصر لعصر ومن مجتمع لآخر، فليس لها صفة الموضوعية والعمومية وليست ضرورة إنسانية، وإذا كانت كذلك فمن العقل وضعها في الموضع الذي تستحقه، أو تسمى الأمور باسمها بحيث يُقال: إن العلمانية هي لخدمة أيدلوجيات شاذة وليس لها أي علاقة بالعلم.

في هذا السياق المنافح عن اللادينية والمعارض للدين يأتي موقفه الرافض لأي جهد حضاري للمسلمين، ومن ذلك جهدهم في تجاوز الدور السلبي القائم على نقل العلوم العصرية من الغرب دون أي موقف إيجابي، ولاسيّما الجهد الثقافي الأشق وهو ما يصطلح عليه بـ"الأسلمة أو التأصيل الإِسلامي".

<<  <  ج: ص:  >  >>