للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تجد مصدرًا حقيقيًا لتوثيق هذا الاختيار أو ذاك، ولن يكون ذلك إلا بالوحي. مع العلم أن القول بهذا الاتفاق داخل العلوم الاجتماعية لا حقيقة له، فالاختلاف بين المدارس الاجتماعية شأنه كبير، لدرجة أن هناك من يعلن نهاية هذه العلوم وفشلها وحاجتها إلى مسار جديد (١)، فاتفاقهم لا يعني علميتها كما أن الاتفاق مُنَازع عليه، وأسوأ من ذلك ضيق العلمية بحيث جعل العلم هو ما قاله الوضعيون بشتى مدارسهم وُيخرج من ذلك أساس العلم وهو الوحي.

[أصل الحجاب]: يبدأ الاختلاف عند قاسم أمين بين منهجه القديم القائم على أن الحجاب شريعة يجب المحافظة عليها وبهذا يكون أصله الأمر الإلهي، وبين منهجه الجديد الذي يعتمد فيه العلمية -كما يقول ويقول أصحابه- القائم على وضع تصور جديد عن أصل الحجاب، وبهذا تختلف النتائج، ففي الأول يصل إلى أهمية المحافظة عليه بالصورة الشرعية التي اختارها بالتحجب ما عدا الوجه والكفين وخروج المرأة للتعلم والعمل، أما مع الثاني فيصل إلى أهمية تمزيق الحجاب. وقبل مناقشة هذه العلمية نعرض رأيه الجديد، وهو رأي يعتمد الأفكار الاجتماعية حول أصل العائلة والقيم المرتبطة بها، الذي يبدأ عادة بالإقرار أن الحجاب يعد ظاهرة اجتماعية بالمفهوم العلمي للظاهرة، ومهمة علماء الاجتماع دراسة هذه الظواهر، وغالبًا ما يجعلون محورها العائلة وأصل تكونها، وغالبًا ما يعتمدون على عينات من شعوب أمية ونائية في إفريقيا وأستراليا غيرها، باعتبار هذه القبائل تقترب من الأصل القديم للنظام العائلي، ثم ينطلقون منه في خط تطوري إلى النموذج الغربي على أنه أعلى درجات هذا التطور، وقد انساق قاسم أمين مع هذا التصور، فيبدأ ببيان المنهج "لا يمكن معرفة حال المرأة اليوم إلا بعد معرفة حالها في الماضي. تلك هي قاعدة البحث في المسائل الاجتماعية"، وهي تقوم على ادعاء إمكانية استقراء الحوادث الماضية عبر المؤرخين وما نجده من تأييد عبر السياح الأوروبيين في المجتمعات البدائية التي تؤكد ما ذكره المؤرخون، ومنها يقوم الباحث الاجتماعي بدراساته (٢)، ثم ذكر خلاصة أبحاثهم: في المرحلة الأولى وقبل تكوّن العائلة


(١) انظر: الفصل الثاني من الباب الثالث من هذا البحث.
(٢) انظر: المرأة الجديدة، قاسم أمين ص ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>