للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التمدن الغربي. وتيقنا أنه من المستحيل أن يتم إصلاح ما في أحوالنا إذا لم يكن مؤسسًا على العلوم العصرية الحديثة، وأن أحوال الإنسان مهما اختلفت، وسواء كانت مادية أو أدبية خاضعة لسلطة العلم" (١) ويقول: "من هذا يتبين أن نتيجة التمدن هي سوق الإنسانية في طريق واحد. وأن التباين الذي يشاهد بين الأمم المتوحشة أو التي لم تصل إلى درجة معلومة من التمدن منشؤه أن أولئك الأمم لم تهتد إلى وضع حالتها الاجتماعية على أصول علمية. هذا الذي جعلنا "نضرب الأمثال بالأوروبيين" ونشيد بتقليدهم، وحملنا على أن "نستلفت الأنظار إلى المرأة الأوروبية". ." (٢)، ومن ذلك تقليدهم في ما توصلوا إليه حول المرأة؛ لأنها علمية وليست من قبل العادات ولهذا بحسب كلامهم لا نجد اختلافًا عند الغربيين حول تلك المسائل وهو دليل على علميتها، والعلم لا يختلف من مكان لمكان "فهذه أولًا مسألة اجتماعية، فهي بذلك مسألة علمية، ولا غرابة بعد ذلك في حصول الاتفاق فيها" (٣).

فهو يجعل من هذا الاتفاق دلالة على علميتها، وهو لم ينتبه إلى أن هذا الاتفاق لا يشترط فيه العلمية بقدر ما يكون الاتفاق أحيانًا بسبب الإطار العام الذي تتحرك فيه جميع المدارس، وهو هنا الإطار العلماني الذي وحّد تلك المدارس في قضايا، وهذا التوحيد لا علاقة له بالعلمية إذا كان المراد بها القول الصواب الذي لا تغير فيه، بل إنه حتى في الدراسات الغربية المعاصرة نجد الحديث عن النظام السائد في مرحلة زمنية معينة ويدور الجميع ضمن هذا النظام "الإبستمي" كما طرحه ميشيل فوكو (٤)، أو النموذج الإرشادي "البرداي" الذي يجتذب الجميع لفترة زمنية كما شرحه كون في "بنية الثورات العلمية" (٥)، وبهذا تكون المعارف البشرية ذات بعد نسبي مهما بلغت دقتها وإجماع الناس عليها ما


(١) المرأة الجديدة، قاسم أمين ص ١١٤ - ١١٥.
(٢) المرجع السابق ص ١١٥.
(٣) المرجع السابق ص ١٢٩.
(٤) انظر: ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر، د. الزواوي بغورة ص ٢٩ وما بعدها.
(٥) انظر: التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية .. ، د. إبراهيم رجب، ٤٩ وما بعدها، وانظر: بنية الثورات العلمية، توماس كون، كلام المترجم ص ١٢، وكلام المؤلف ص ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>