للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت المرأة ذات الشأن في الهيئة الاجتماعية، وكانت الحياة الجنسية مشاعية، لا زواج، ولما ودّع الإنسان بداوته واشتغل بالزراعة ظهر نظام البيت، ودخلت المرأة في نظام العائلة الجديد، فحرمت من استقلالها وامتلكها الرجل، وقد تسبب ظهور الدولة في تخفيف هذه العبودية على المرأة، ومع ذلك لم تنل كامل حقها أيام اليونان والرومان، وحتى مع الكنيسة التي مارست دورًا سلطويًا في أوروبا، ومع دخول الدولة أصبح الحال مرتبطًا بالسياسة (١)، ثم لخصه في مكان آخر: عاشت حرة في العصر الأول .. ثم وقع الاستعباد لها مع تشكيل العائلة .. ثم مع ظهور المدنية خف الرق ولكن بقي الاستبداد على المرأة .. حتى جاء الطور الرابع بعد مبلغ الإنسانية مبلغها من المدنية، فنالت المرأة حريتها الكاملة وتساوت مع الرجل، أما المرأة المصرية فهي في الطور الثالث (٢)، ومع أنه أدخل النصرانية دينًا له دوره في وضع المرأة، فقد سكت عن دور الإسلام في هذا التاريخ البشري كعادة أهل التغريب، فلا ينظرون للتاريخ إلا من خلال تاريخ الآخرين، وكأن تاريخهم هو التاريخ الكوني الوحيد، بينما التواريخ الأخرى حتى ولو كانت بحجم التاريخ النبوي مع الأنبياء أو تاريخ الإسلام الضخم فإنه يختفي.

ضمن هذا الإطار التاريخي للتاريخ الإنساني الذي يتصوره الوضعيون الاجتماعيون يضع قاسم أمين رؤيته تبعًا لهم عن الحجاب فيقول: "ولكن ما العلاقة بين حريتها وكشف وجهها واختلاطها بالرجال ومعاملتها لهم؟ فالجواب: إن إلزام النساء بالاحتجاب هو أقسى وأفظع أشكال الاستعباد؛ ذلك لأن الرجال في أعصر التوحش كانوا يستحوذون على النساء، إما بالشراء كما بيناه وإما بالاختطاف.

وفي كلتا الحالتين كانوا يعتبرون أنفسهم مالكين نساءهم ملكًا تامًا وتبع ذلك أن الرجل جرد امرأته عن الصفات الإنسانية وخصصها بوظيفة واحدة وهي أن تمتعه بجسمها. فأقرها في مسكنه. وألزمها بأن تلازمه ولا تخرج منه حتى لا يكون لأحد غيره حظ في أن يتمتع بها ولو بالنظر أو بالحديث، شأن المالك


(١) انظر: المرجع السابق ص ١١ - ١٤.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٢٢ - ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>