للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والقول الآخر أن وزنها فعلة، وأصلها لغية، فانقلبت الياء ألفاً لتحريكها، وانفتاح ما قبلها، وإنما كان الحكم حرفي المد واللين أن ينقلب كل واحد منهما ألفاً إذا تحرك وانفتح ما قبله، لأن أخف أحواله أن يسكن، وما قبله منه، أما سكونه فلان به تمكن المد فيه، وإما كون ما قبله منه فليلاحمه ويعينه ولا ينافره فما يراد به من مده ولينه وأوسط أحواله أن يسكن، ما قبله ليس منه، وأثقل أحواله أن يتحرك وما قبله ليس منه، فيجري مجرى الحروف الصحاح، وتفارق صفته المطلوبة فيه بحركته التي تزيله عن اللبن. وبقلة مساعدة ما قبله له، ومشاكلته إياه، فإذا جاء حرف المد متحركاً وما قبله ليس منه، جاء على أثقل أحواله، فيقلب ألفاً لينتقل إلى أخف أحواله، وهو سكونه وما قبله منه، فلما صار لغاة آنسهم هذا التغير بتغير آخر، فحذفوا الألف تخفيفاً، ولأن هذا الوزن قليل في الأسماء المفردة، وإنما هو من صيغ الجموع، مثل قضاة ورماة، فصار لغة كما ترى. ومن عادتهم أن يتبعوا نقص التغير نقصاً. ألا ترى إلى قولهم ليس وأصلها ليس، بوزن فعل، فكان قياسهم يوجب أن تنقلب الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فيقال: لاس، ما انقلبت ياء بيع فقيل: باع، فلما وجدوها قد خالفت في التصرف، ولزمت باباً واحداً، وهو صيغة الماضي لعلة أخرى لا نرى الإطالة بذكرها في هذا الموضع، آنسهم ذلك بتغيرها ثانياً، وجراهم على ركوب الخلاف بها عودا بعد بدءٍ، فقالوا فيها: ليس، وفارقوا بها أخواتها ولم يقولوا: لاس، مثل زال وصار، وهو فعل من الليس، وهو الشدة والشجاعة، وكأن تقدير قولهم: ليس زيد قائماً، وامتنع وصعب أن يكون زيد قائماً، هذا على رأي النحويين. فأما أهل اللغة فيحكون عن الخليل أنه قال: ليس إنما أصله لا أيس، لأن أيس عنده لفظة يخبر بها عن الموجود، فإذا قالوا: لا أيس فكأنهم قالوا: لا موجود، فثقل عليهم فقالوا: ليس، والأيس في كلام العرب التأثير، فأخبره به المتكلمون عن الموجود، لأن الموجود لا بد أن يكون له أثر أو تأثير أو نحو ذلك. وقال الأصمعي في كتاب " نظائر الأفعال ": آسه ييئسة أيساً إذا ثر فيه، ومنه أيسه يويسه بوزن فعله، يفعله مشدداً، وأنشد يعقوب:

إن كانت جلمود صخر لا أؤيسه ... أوقد عليه فأحميه فينصدع

<<  <   >  >>