كتاب المسالك في شرح موطأ مالك

رؤيتهم" وهذا لا يُسْتنْكَر في مطالع السّموات، فإنّ سهيلًا يظهر في بعض الأُفُقِ دون بعض، وبَنَات نَعْش نَيْرٌ (١) شماليّ (٢) تراها آخر الصَّيف حيث يطلع سُهَيْل، ويغيب من كواكبها السّبعة اثنان وتبقى خمسة، ونراها في بلدنا مستقلة عن الأُفُقِ (٣) بعيدة عن مَحَلِّ الغُروب.

ومنهم من قال في تأويل هذا الحديث: إنَّ السَّماء كانت مصحية، فلم يره أحد من أهل المدينة، فكانت رؤيتهم أَقْوَى من خَبَرِ كُرَيْب، إذ لم يكونوا يرجعون من المعاينة إلى الخبر (٤)، فليس الخبر كالمعاينة (٥).

المسألة السابعة:

قوله: "لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ" يقتضي منع الصّوم في آخر شعبان، فإنّ رؤية هلال رمضان والمراد به منع ذلك على معنى التَّلقِّي لرمضان والاحتياط، وقد رُوِيَ في ذلك حديثٌ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "لَا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضانَ بصِيَامٍ قَبْلَهُ، بِيَوْمٍ وَلاَ بِيَوْمَينِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْمًا" (٦).

نكتةٌ أصوليّة (٧):

الذَّرائعُ أصلٌ من أصول الفقه، وهو كلُّ فعل جائزٍ في ذاته مُوقع في محذور أو محظُورٍ لعاقبته (٨)، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرَّتَيْنِ، مثلٌ لا حقيقة عند الأكثر، وحقيقةٌ عند الأقلِّ، والأوّل أصحّ، وقد قال - صلّى الله عليه وسلم -: "لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ" (٩) فما زال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يحذّر فعلهم ويكرّر إبلاغًا في المعذرة

(١) أي ضوءٌ.
(٢) بناتُ نَعْشٍ: سبعة كواكب تُشَاهد جهة القطب الشمالي، شُبِّهت بحملة النَّعْشِ.
(٣) غ: "الآفاق".
(٤) غ: "يرجعون إلى الخبر من المعاينة".
(٥) "فليس الخبر كالمعاينة" زيادة من القبس.
(٦) أخرجه الدارمي (١٦٨٩)، وأبو داود (٢٣٣٤)، وابن ماجه (١٦٤٥)، والترمذي (٦٨٥)، والنسائي: ٤/ ١٥٣.
(٧) انظرها في العارضة: ٣/ ٢٠١.
(٨) وعَرَّف المؤلِّف سدّ الذرائع في كتابه أحكام القرآن: ٢/ ٧٩٨ بقوله: "الذّريعة هي كلّ عمل ظاهر الجواز يُتَوَصَّل به إلى محظور" وعرَّفهُ في موضع آخر: ٢/ ٧٤٣ بقوله: "كلّ عقد جائز في الظّاهر يؤول أو يمكن أنّ يتوصّل به إلى محظور".
(٩) أخرجه البخاريّ (٧٣٢٠)، ومسلم (٢٦٦٩) من حديث أبي سعيد الخدريّ.