للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للعبد من متاع الدنيا فراش ولا وساد ولا مهاد؛ بل كل عامل يفترش عملَه ويتوسده من خير أو شر.

فالعاقل من عمر بيته الذي تطول إقامتُه فيه، ولو عمره بخراب بيته الذي يرتحل عنه قريبا لم يكن مغبونًا؛ بل كان رابحًا.

قال وهب بن منبه : قال لقمان لابنه: يا بني، لكل إنسان بيتان: بيت غائب، وبيت شاهد؛ فلا يلهينك بيتك الشاهد الذي فيه عمرك القليل، عن بيتك الغائب الذي فيه عمرك الطويل (١).

وقال بعض السلف : اعمل للدنيا على قدر مكثِك فيها، واعمل للآخرة على قدر مكثِك فيها.

وقال بعضهم: لابن آدم بيتان: بيت على الأرض، وبيت في بطن الأرض، فعمد إلى الذي على وجه الأرض، فزخرفه وزينه، وجعل فيه أبوابًا للشمال، وأبوابًا للجنوب، ووضع فيه ما يصلحه لشتائه وصيفه، ثم عمد إلى الذي في بطن الأرض فأخربه؛ فإذا قيل: هذا البيت الذي أصلحته كم تقيم فيه؟ قال: لا أدري. قيل له: والذي أخربته كم تقيم فيه؟ قال: فيه مقامي. قال: تقر بهذا على نفسك وأنت رجل تعقل؟! (٢)

قال الحسن: تبع رجل من المسلمين جنازة أخيه، فلما دلي في قبره قال الرجل: ما أرى تبعك من الدنيا إلا ثلاثة أثواب، أما والله لقد تركت بيتي كثير المتاع، أما والله إن أقالني الله حتى أرجع لأقدمنه بين يدي، قال: فرجع فقدمه والله بين يديه، وكانوا يرون أنه كان عمر بن عبد العزيز .


(١) ينظر: التبصرة لابن الجوزي (٢/ ٩).
(٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور برقم (١٠٤)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٣٨/ ٨٣) عن عبيد الله بن العيزار، وينظر: أهوال القبور لابن رجب (ص ١٦٥).

<<  <   >  >>