الوجه التاسع عشر: أن الراوي ولو كان ثقة عنده، لا يلزم أن يكون كل ما رواه صحيحاً، وذلك أنه إذا تبين أنه قد أخطأ في حديث ما، أو تفرد به؛ فإنه يرده، أو يتوقف في حديثه ولا يصححه.
ومنهج أبي عيسى في هذا هو منهج كبار الحفاظ، بخلاف بعض من تأخر؛ كأبي محمد ابن حزم وابن القطان الفاسي وغيرهما، فإن الراوي الثقة عندهم يلزم أن يكون حديثه صحيحا.
والأمثلة على هذا من كتاب "الجامع" كثيرة، فإنه بين في عدة أحاديث خطأ بعض الرواة الثقات، أو توقف في حديثهم عند التفرد.
كما أن الراوي المتكلم فيه لا يلزم أن يكون حديثه دائما ضعيفا، ومن الأمثلة على ذلك:
سفيان بن وكيع، فإنه قد صحح له أحاديث كثيرة، وهذا فيما استقام منها.
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً: شريك بن عبد الله النخعي، فإنه صحح له عدة أحاديث، كما أنه توقف في أحاديث أخرى، وذلك فيما تفرد به، ومن الأمثلة على ذلك:
قال ﵀:(حدثنا علي بن حجر، قال: أخبرنا شريك، عن أبي الجحاف، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إنما الماء من الماء في الاحتلام.
قال أبو عيسى: سمعت الجارود، يقول: سمعت وكيعا، يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك) (١).