أَحْكَامٌ، وَيَثْقُلُ حَمْلُهَا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ الضُّعَفَاءِ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرِيعَةِ العِيسَوِيَّةِ.
(١٢) إِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: لَيْسَ يَنْطِقُ مِنْ عِنْدِهِ، بَلْ يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَارَقْلِيطَ يَكُونُ بِحَيْثُ يُكَذِّبُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَاحْتَاجَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ يُقَرِّرَ حَالَ صِدْقِهِ فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ، وَلَا مَجَالَ لِمَظِنَّةِ التَّكْذِيبِ فِي حَقِّ الرُّوحِ النَّازِلِ يَوْمَ الدَّارِ عَلَى أَنَّ هَذَا الرُّوحَ عِنْدَهُمْ عَيْنُ اللهِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: بَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَسْمَعُ فَمِصْدَاقُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي حَقِّهِ مَظِنَّةُ التَّكْذِيبِ، وَلَيْسَ هُوَ عَيْنَ اللهِ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٥٣: ٣، ٤) وَقَالَ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ (٦:٥٠) .
(١٣) إِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا هُوَ لِي، وَهَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَى الرُّوحِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ التَّثْلِيثِ قَدِيمٌ وَغَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَقَادِرٌ مُطْلِقٌ، لَيْسَ لَهُ كَمَالٌ مُنْتَظَرٌ، بَلْ كُلُّ كَمَالٍ مِنْ كِمَالَاتِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالْفِعْلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَوْعُودُ بِهِ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَكُونُ لَهُ كَمَالٌ مُنْتَظَرٌ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مُوهِمًا أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّبِيُّ مُتَّبِعًا لِشَرِيعَتِهِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ: (جَمِيعُ مَا لِلْأَبِ فَهُوَ لِي فَلِأَجْلِ هَذَا قُلْتُ مِمَّا هُوَ لِي يَأْخُذُ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْصُلُ لِلْفَارَقْلِيطِ مِنَ اللهِ فَكَأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنِّي كَمَا اشْتُهِرَ: مَنْ كَانَ لِلَّهِ كَانَ اللهُ لَهُ - فَلِأَجْلِ هَذَا قُلْتُ: إِنَّ مِمَّا هُوَ لِي يَأْخُذُ.
وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي الشُّبَهَاتِ الَّتِي تُورِدُهَا عُلَمَاءُ بُرُوتُسْتَنْتْ فَخَمْسَةٌ: (الشُّبْهَةُ الْأَوْلَى) جَاءَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَفْسِيرُ الْفَارَقْلِيطِ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَرُوحِ الْحَقِّ، وَهُمَا عِبَارَاتَانِ عَنِ الْأُقْنُومِ الثَّالِثِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بالْفَارَقْلِيطِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ: إِنَّ صَاحِبَ مِيزَانِ الْحَقِّ يَدَّعِي فِي تَأْلِيفَاتِهِ كَوْنَ أَلْفَاظِ رُوحِ اللهِ، وَرُوحِ الْقُدُسِ، وَرُوحِ الْحَقِّ، وَرُوحِ الصِّدْقِ، وَرُوحِ فَمِ اللهِ، بِمَعْنَى وَاحِدٍ. قَالَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ مِفْتَاحِ الْأَسْرَارِ فِي الصَّفْحَةِ ٥٣
مِنَ النُّسْخَةِ الْفَارِسِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ ١٨٥٠: إِنَّ لَفْظَ رُوحِ اللهِ، وَلَفْظَ رُوحِ الْقُدُسِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى. فَادَّعَى أَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يُسْتَعْمَلَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْعَهْدَيْنِ - وَقَالَ فِي حَلِّ الْإِشْكَالِ، فِي جَوَابِ كَشْفِ الْأَسْتَارِ: مَنْ لَهُ إِلْمَامٌ مَا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ أَلْفَاظَ رُوحِ الْقُدُسِ وَرُوحِ الْحَقِّ وَرُوحِ فَمِ اللهِ وَغَيْرِهَا بِمَعْنَى رُوح اللهِ، فَلِذَلِكَ مَا رَأَيْتُ إِثْبَاتَهُ ضَرُورِيًّا انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute