للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْوَعْظِ. وَمَا قَالَ رانكين فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِدَافِعِ الْبُهْتَانِ الَّذِي هُوَ بِلِسَانِ أُرْدُو فِي رَدِّهِ عَلَى خُلَاصَةِ (صَوْلَةِ الضَّيْغَمِ) : إِنَّ لَفْظَ التَّوْبِيخِ لَا يُوجَدُ فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي تَرْجَمَةٍ مِنْ تَرَاجِمِ الْإِنْجِيلِ، وَهَذَا الْمُسْتَدِلُّ أَوْرَدَ هَذَا اللَّفْظَ لِيَصْدُقَ عَلَى مُحَمَّدٍ صِدْقًا بَيِّنًا؛ لِأَجْلِ أَنْ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَخَّ وَهَدَّدَ كَثِيرًا، إِلَّا أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّغْلِيظِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْخَائِفِينَ مِنَ اللهِ - انْتَهَى كَلَامُهُ - فَمَرْدُودٌ، وَهَذَا الْقِسِّيسُ إِمَّا جَاهِلٌ غَالِطٌ أَوْ مُغَالِطٌ لَيْسَ لَهُ إِيمَانٌ وَلَا خَوْفٌ مِنَ اللهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجَدُ فِي التَّرَاجِمِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهَا عِبَارَةُ يُوحَنَّا، وَفِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ ١٦٧١ فِي رُومِيَّةَ الْعُظْمَى، وَعِبَارَةُ التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ

الْمَطْبُوعَةِ فِي بَيْرُوتَ سَنَةَ ١٨٦٠ هَكَذَا (وَمَتَّى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ) إِلَخْ. وَفِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ ١٨١٦ وَسَنَةَ ١٨٢٥، وَفِي التَّرَاجِمِ الْفَارِسِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ ١٨١٦ وَسَنَةَ ١٨٢٨ وَسنَةَ ١٨٤١ يُوجَدُ لَفْظُ الْإِلْزَامِ. وَلَفْظُ التَّبْكِيتِ وَالْإِلْزَامِ أَيْضًا قَرِيبَانِ مِنَ التَّوْبِيخِ لَكِنْ لَا شِكَايَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ عَادَاتِ عُلَمَاءِ بُرُوتُسْتَنْتْ، وَلِذَلِكَ تَرَى أَنَّ مُتَرْجِمِي الْفَارِسِيَّةَ وَأُرْدُو تَرَكُوا لَفْظَ فَارَقْلِيطَ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُتَرْجِمِ تَرْجَمَةِ أُرْدُو الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ ١٨٣٩ فَاقَ أَسْلَافَهُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا حَيْثُ أَرْجَعَ إِلَى الرُّوحِ ضَمَائِرَ الْمُؤَنَّثِ لِيَحْصُلَ الِاشْتِبَاهُ لِلْعَوَامِّ أَنَّ مِصْدَاقَ هَذَا اللَّفْظِ (أَيْ مَدْلُولَهُ) مُؤَنَّثٌ وَلَيْسَ بِمُذَكِّرٍ.

(١٠) قَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (أَمَّا عَلَى الْخَطِيَّةِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِي) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَارَقْلِيطَ يَكُونُ ظَاهِرًا عَلَى مُنْكِرِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُوَبِّخًا لَهُمْ عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَالرُّوحُ النَّازِلُ يَوْمَ الدَّارِ مَا كَانَ ظَاهِرًا عَلَى النَّاسِ مُوَبِّخًا لَهُمْ.

(١١) قَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (إِنَّ لِي كَلَامًا كَثِيرًا أَقُولُهُ لَكُمْ وَلَكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُطِيقُونَ حَمْلَهُ الْآنَ (وَهَذَا يُنَافِي إِرَادَةَ الرُّوحِ النَّازِلِ يَوْمَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ مَا زَادَ عَلَى أَحْكَامِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ التَّثْلِيثِ كَانَ أَمْرُ الْحَوَارِيِّينَ بِعَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ، وَبِدَعْوَةِ أَهْلِ الْعَالَمِ كُلِّهِ، فَأَيُّ أَمْرٍ حَصَلَ لَهُمْ أَزْيَدُ مِنْ أَقْوَالِهِ الَّتِي قَالَهَا إِلَى زَمَانِ صُعُودِهِ، نَعَمْ إِنَّهُمْ بَعْدَ نُزُولِ هَذَا الرُّوحِ أَسْقَطُوا جَمِيعَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ الَّتِي هِيَ مَا عَدَا بَعْضَ الْأَحْكَامِ الْعَشْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ الْعِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ، وَحَلَّلُوا جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَجُوزُ فِي شَأْنِهِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ حَمْلَهُ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَطَاعُوا حَمْلَ سُقُوطِ حُكْمِ تَعْظِيمِ السَّبْتِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ. وَكَانَ الْيَهُودُ يُنْكِرُونَ كَوْنَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسِيحًا مَوْعُودًا بِهِ لِأَجْلِ عَدَمِ مُرَاعَاتِهِ هَذَا الْحُكْمَ، فَقَبُولُ سُقُوطِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَانَ أَهْوَنَ عِنْدَهُمْ، نَعَمْ قَبُولُ زِيَادَةِ الْأَحْكَامِ لِأَجْلِ ضَعْفِ الْإِيمَانِ وَضَعْفِ الْقُوَّةِ إِلَى زَمَانِ صُعُودِهِ كَمَا يَعْتَرِفُ بِهِ عُلَمَاءُ بُرُوتُسْتَنْتْ كَانَ خَارِجًا عَنِ اسْتِطَاعَتِهِمْ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بالْفَارَقْلِيطِ نَبِيٌّ تُزَادُ فِي شَرِيعَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>