للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَفِيضِينَ مِنْهُ مِنْ قَبْلُ أَيْضًا، بَلْ لَا مَجَالَ لِلِاسْتِبْعَادِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إِذَا نَزَلَ عَلَى قَلْبِ أَحَدٍ، وَحَلَّ فِيهِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ لَا مَحَالَةَ ظُهُورًا بَيِّنًا فَلَا يُتَصَوَّرُ إِنْكَارُ الْمُتَأَثِّرِ مِنْهُ، وَلَيْسَ ظُهُورُهُ عِنْدَهُمْ فِي صُورَةٍ يَكُونُ فِيهِ مَظِنَّةً يَكُونُ الِاسْتِبْعَادُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ النَّبِيِّ الْمُبَشَّرِ بِهِ. حَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا عَلِمَ بِالتَّجْرِبَةِ وَبِنُورِ النُّبُوَّةِ أَنَّ الْكَثِيرِينَ مِنْ أُمَّتِهِ يُنْكِرُونَ النَّبِيَّ الْمُبَشَّرَ بِهِ عِنْدَ ظُهُورِهِ أَكَّدَهُ أَوَّلًا بِهَذِهِ الْفِقْرَةِ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ مَجِيئِهِ.

(٢) إِنَّ هَذَا الرُّوحَ مُتَّحِدٌ بِالْأَبِ مُطْلَقًا وَبِالِابْنِ نَظَرًا إِلَى هُوَّتِهِ اتِّحَادًا حَقِيقِيًّا فَلَا يَصْدُقُ فِي حَقِّهِ (فَارَقْلِيطُ آخَرُ) بِخِلَافِ النَّبِيِّ الْمُبَشَّرِ بِهِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ هَذَا الْقَوْلَ فِي حَقِّهِ بِلَا تَكَلُّفٍ.

(٣) إِنَّ الْوَكَالَةَ وَالشَّفَاعَةَ مِنْ خَوَاصِّ النُّبُوَّةِ لَا مِنْ خَوَاصِّ هَذِهِ الرُّوحِ الْمُتَّحِدِ بِاللهِ فَلَا يَصْدُقَانِ عَلَى الرُّوحِ، وَيَصْدُقَانِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُبَشَّرِ بِهِ بِلَا تَكَلُّفٍ.

(٤) إِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: (هُوَ يُذَكِّرُكُمْ كُلَّ مَا قَلْتُهُ لَكُمْ) وَلَمْ يَثْبُتْ فِي رِسَالَةٍ مِنْ رَسَائِلِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ كَانُوا قَدْ نَسُوا مَا قَالَهُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهَذَا الرُّوحُ النَّازِلُ يَوْمَ الدَّارِ ذَكَّرَهُمْ إِيَّاهُ.

(٥) إِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: (وَالْآنَ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ (أَنْ يُوجَدَ) حَتَّى إِذَا كَانَ - أَيْ وُجِدَ وَبُعِثَ - تُؤْمِنُونَ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ

بِهِ لَيْسَ الرُّوحَ؛ لِأَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ فِي الْأَمْرِ أَنَّهُ مَا كَانَ عَدَمُ الْإِيمَانِ مَظْنُونًا مِنْهُمْ وَقْتَ نُزُولِهِ بَلْ لَا مَجَالَ لِلِاسْتِبْعَادِ أَيْضًا، فَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْحَكِيمِ الْعَاقِلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامِ فُضُولٍ، فَضْلًا عَنْ شَأْنِ النَّبِيِّ الْعَظِيمِ الشَّأْنِ، فَلَوْ أَرَدْنَا بِهِ النَّبِيَّ الْمُبَشَّرَ بِهِ يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ فِي مَحَلِّهِ، وَفِي غَايَةِ الِاسْتِحْسَانِ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ مَرَّةً ثَانِيَةً.

(٦) إِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: (هُوَ يَشْهَدُ لِأَجْلِي) . وَهَذَا الرُّوحُ مَا شَهِدَ لِأَجْلِهِ بَيْنَ أَيْدِي أَحَدٍ؛ لِأَنَّ تَلَامِيذَهُ الَّذِينَ نَزَلَ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمَسِيحَ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ قَبْلَ نُزُولِهِ أَيْضًا فَلَا فَائِدَةَ لِلشَّهَادَةِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَالْمُنْكِرُونَ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا مُحْتَاجِينَ لِلشَّهَادَةِ فَهَذَا الرُّوحُ مَا شَهِدَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ بِخِلَافِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ شَهِدَ لِأَجْلِ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَصَدَّقَهُ وَبَرَّأَهُ عَنِ ادِّعَاءِ الْأُلُوهِيَّةِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَبَرَّأَ أُمَّهُ عَنْ تُهْمَةِ الزِّنَا، وَجَاءَ ذِكْرُ بَرَاءَتِهِمَا فِي الْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَفِي الْأَحَادِيثِ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ مَحْصُورَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>