الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ لِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَلَكِنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ هَذَا الْتِزَامَ الْكَفَّارَةِ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَذَا النَّذْرِ الْمُطْلَقِ شَيْئًا مِنْ الْقُرَبِ كَحَجٍّ، أَوْ صَوْمٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى بِقَوْلِهِ " عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا " قُرْبَةً مَقْصُودَةً يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا فَفَعَلَ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الْقُرْبَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ حَلَفَ بِالنَّذْرِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ اهـ.
فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَقَيَّدَ بِلَفْظِ النَّذْرِ احْتِرَازًا عَنْ صِيغَةِ النَّذْرِ كَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ صَوْمُ يَوْمَيْنِ مُطْلَقًا عَنْ الشَّرْطِ، أَوْ مُعَلَّقًا بِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَقَدْ خَلَطَ الزَّيْلَعِيُّ مَسْأَلَةَ لَفْظِ النَّذْرِ بِصِيغَةِ النَّذْرِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ تَطَّلِعُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلنَّذْرِ مَعَ احْتِمَالِ مَعْنَى الْيَمِينِ اهـ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَلِفِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْكُفْرِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا نَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِالْكُفْرِ، أَوْ بِالتَّهَوُّدِ، أَوْ التَّنَصُّرِ أَوْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ الْقِبْلَةِ، أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ، أَوْ أَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْ أَعْبُدُ الصَّلِيبَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَالْمُحِيطِ، أَوْ يَعْقِدَ الزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يَعْقِدُ النَّصَارَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ آيَةٍ فِي الْمُصْحَفِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ رَفَعَ كِتَابًا فِيهِ مَكْتُوبٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِيهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ حَجَّتِي الَّتِي حَجَجْت وَمِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّيْت فَلَيْسَ بِيَمِينٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ الَّذِي تَعَلَّمْته؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَبَرَّأَ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَ لَا عَنْ الْحَجَّةِ الْمَشْرُوعَةِ وَفِي الثَّانِي تَبَرَّأَ عَنْ الْقُرْآنِ الَّذِي تَعَلَّمَهُ وَالْقُرْآنُ قُرْآنٌ، وَإِنْ تَعَلَّمَهُ فَيَكُونُ التَّبَرِّي عَنْهُ كُفْرًا.
وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِذَا أَرَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ فَرْضِهِ فَهُوَ يَمِينٌ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْإِيمَانِ، وَإِنْ أَرَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ أَجْرِهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ غُيِّبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَكُونُ يَمِينًا فِي الْحُكْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ صَلَاتِي وَصِيَامِي لِهَذَا الْكَافِرِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا نَصْرَانِيٌّ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ وَبَرِيءٌ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَبَرِيءٌ مِنْ الزَّبُورِ وَبَرِيءٌ مِنْ الْفُرْقَانِ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ إنْ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ اهـ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَفَعَلَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا يَمِينَيْنِ؛ الْأُولَى أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِيَةُ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَرَاءَةِ مَذْكُورٌ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فِي الثَّانِيَةِ مَذْكُورَةٌ مَرَّتَيْنِ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَأَمَّا الْأَرْبَعُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهَا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ الْمَسْأَلَةَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُصَوَّرَةً بِتَكْرَارِ لَفْظِ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ كَذَلِكَ وَالْحَذْفُ مِنْ الْكَاتِبِ ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى تَعَدَّدَتْ صِيغَةُ الْبَرَاءَةِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا اتَّحَدَتْ اتَّحَدَتْ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ قَالَ:
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ كَذَلِكَ وَالْحَذْفُ مِنْ الْكَاتِبِ) أَقُولُ: الَّذِي وَجَدْته فِي نُسْخَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ الَّتِي عِنْدِي مِثْلُ مَا نَقَلَهُ عَنْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسَخَ هَكَذَا وَيَكُونُ ذَلِكَ مَشْيًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ: إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَفَعَلَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعُ أَيْمَانٍ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ حَتَّى تَتَعَدَّدَ الْيَمِينُ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute