وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَلْفَ مَرَّةٍ فَفَعَلَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَا إلَهَ فِي السَّمَاءِ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ تَكُونُ لِإِنْكَارِ الْإِيمَانِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ الْحَالِفَ إذَا قَصَدَ نَفْيَ الْمَكَانِ عَنْ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِكُفْرٍ بَلْ هُوَ الْإِيمَانُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ هُوَ يَمِينٌ وَلَا يُكَفِّرُ وَفِيهَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الشَّفَاعَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَعَلَّلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الشَّفَاعَةَ، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لَكِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا صَارَ مُبْتَدِعًا لَا كَافِرًا اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا سُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ عَمَّنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَهُوَ شَرِيكُ الْكُفَّارِ فِيمَا قَالُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فَكَلَّمَهُ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ يَمِينًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فِي الْمَاضِي كَأَنْ قَالَ: إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ فَهُوَ يَمِينُ الْغَمُوسِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَهَلْ يَكْفُرُ حَتَّى تَكُونَ التَّوْبَةُ اللَّازِمَةُ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ مِنْ الْكُفْرِ وَتَجْدِيدَ الْإِسْلَامِ قِيلَ لَا وَقِيلَ نَعَمْ لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً هُوَ كَافِرٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ إمَّا مُنْعَقِدَةٌ، أَوْ غَمُوسٌ لَا يَكْفُرُ بِالْمَاضِي، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحَلِفِ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكْفُرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِهِ يَكْفُرُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي جَمِيعًا، وَفِي قَوْلِهِمْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا وَلَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ، ثُمَّ رَقَّمَ فِي الْمُجْتَبَى رَقْمًا آخَرَ لَوْ قَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مَا فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَقِيلَ: لَا يَكْفُرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَرْوِيجَ الْكَذِبِ دُونَ الْكُفْرِ. .
(قَوْلُهُ: لَا بِعِلْمِهِ وَغَضَبِهِ وَسُخْطِهِ وَرَحْمَتِهِ) أَيْ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ بِعِلْمِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَيُقَالُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَكَ فِينَا أَيْ مَعْلُومَك وَلِأَنَّ الرَّحْمَةَ يُرَادُ بِهَا أَثَرُهَا وَهُوَ الْمَطَرُ وَالْجَنَّةُ، وَالْغَضَبَ وَالسُّخْطَ يُرَادُ بِهِمَا الْعُقُوبَةُ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا الصِّفَةُ فَصِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهَا كُلَّهَا لِذَاتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ إلَّا فِي الصِّفَةِ نَفْسِهَا فَالْحَلِفُ بِهَا يَكُونُ يَمِينًا وَمِنْهَا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الصِّفَةِ وَفِي غَيْرِهَا اسْتِعْمَالًا عَلَى السَّوَاءِ وَالْحَلِفُ بِهَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْضًا وَمِنْهَا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الصِّفَةِ وَفِي غَيْرِهَا لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِ الصِّفَةِ هُوَ الْغَالِبُ فَالْحَلِفُ بِهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ يَمِينًا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَمَا لَمْ يَتَعَارَفُوهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا قَالَ: وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ يَكُونُ حَالِفًا وَكَذَا وَقُدْرَةِ اللَّهِ مَا لَمْ يَنْوِ الْمَقْدُورَ وَكَذَا وَقُوَّتِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَكَلَامِهِ بِخِلَافِ الرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ وَالسُّخْطِ وَالْعِلْمِ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الصِّفَةَ، وَأَمَّا وَسُلْطَانِ اللَّهِ فَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ أَرَادَ بِهِ الْقُدْرَةَ كَانَ حَالِفًا، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّهَا طَاعَتُهُ، وَوَجْهُ مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْأَمَانَةَ الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْقَسَمِ يُرَادُ بِهَا صِفَتُهُ.
وَلَوْ قَالَ: وَوَجْهِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ وَلَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَكَذَا قَوْلُهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لِعَدَمِ الْعَادَةِ وَمَلَكُوتِ اللَّهِ وَجَبَرُوتِهِ يَمِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الصِّفَةِ اهـ.
وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ وَقُدْرَةِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى
ــ
[منحة الخالق]
فَيَمِينٌ وَكَذَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ - فَيَمِينَانِ ثُمَّ رَمْزَانِ - فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَأَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ قِيلَ: وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ