إلَّا أَنَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ لَا الْإِخْبَارِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتِزَامُ الْكَفَّارَةِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ابْتِدَاءً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَغَا بِخِلَافِ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الِالْتِزَامُ ابْتِدَاءً اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى أَشْهَدُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ، وَضَمُّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُ الْهَاءِ خَطَأٌ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ - يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ - لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ اهـ. وَبِهِ نَدْفَعُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ أَنِّي لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَشْهَدُ، أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمِينًا عُرْفًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ: وَأَعْزِمُ كَ أَشْهَدُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمَعْنَاهُ أُوجِبُ فَكَانَ إخْبَارًا عَنْ الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ وَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَزَمْتُ لَا أَفْعَلُ كَذَا كَانَ حَالِفًا وَكَذَا آلَيْتُ لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ لِأَنَّ الْأَلِيَّةَ هِيَ الْيَمِينُ اهـ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ فَلِأَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ فَكَانَ صِفَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الذَّاتِ؛ لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَبَقَاءِ اللَّهِ كَقُدْرَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: ٧٢] هُوَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ غَلَبَ فِي الْقَسَمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ فِيهِ الضَّمُّ، وَارْتِفَاعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالْخَبَرُ قَسَمِي، أَوْ يَمِينِي كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَلَا تَلْحَقُ الْمَفْتُوحَةَ الْوَاوُ فِي الْخَطِّ بِخِلَافِ عَمْرٍو الْعَلَمِ فَإِنَّهَا أُلْحِقَتْ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ اللَّامِ فِي أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَدْخُلْهُ اللَّامُ فَإِنَّ الْقَسَمَ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَيَكُونُ مَنْصُوبًا نَصْبَ الْمَصَادِرِ فَتَقُولُ: عَمْرَ اللَّهِ مَا فَعَلْت كَمَا فِي اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَمْرُكَ اللَّهَ مَا فَعَلْت فَمَعْنَاهُ بِإِقْرَارِك لَهُ بِالْبَقَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ يَمِينًا لِأَنَّهُ حَلَفَ بِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ إقْرَارُهُ وَاعْتِقَادُهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَأَمَّا اَيْمُ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ أَيْمُنُ اللَّهِ، وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فَخُفِّفَ بِالْحَذْفِ حَتَّى صَارَ اَيْمُ اللَّهِ ثُمَّ خُفِّفَتْ أَيْضًا فَقِيلَ: م اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَتَكُونُ مِيمًا وَاحِدَةً وَبِهَذَا نَفَى سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَيُقَالُ: مُنُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَفَتْحِهِمَا وَكَسْرِهِمَا، وَهَمْزَةُ أَيْمُنٍ بِالْقَطْعِ، وَإِنَّمَا وُصِلَتْ فِي الْوَصْلِ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ اُجْتُلِبَتْ لِيُمْكِنَ بِهَا النُّطْقُ كَهَمْزَةِ ابْنٍ وَامْرِئٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ السَّاكِنَةِ الْأَوَائِلِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَمِينًا لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «وَاَيْمُ اللَّهِ إنْ كَانَ لَخَلِيقًا بِالْإِمَارَةِ» كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: يَمِينُ اللَّهِ لَا أَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ فَلِأَنَّ الْعَهْدَ فِي الْأَصْلِ هِيَ الْمُوَاعَدَةُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِوُثُوقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْمِيثَاقُ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١] الْآيَةَ فَقَدْ جُعِلَ الْعَهْدُ فِي الْقُرْآنِ يَمِينًا كَمَا تَرَى وَالْمِيثَاقُ فِي مَعْنَاهُ وَكَذَا الْحَلِفُ بِالذِّمَّةِ وَلِذَا يُسَمَّى الذِّمِّيُّ مُعَاهِدًا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِلْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ فَيَنْصَرِفَانِ إلَيْهِ إلَّا إذَا قَصَدَ غَيْرَ الْيَمِينِ فَيُدَيَّنُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ يَمِينٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَشَاءَ فُلَانٌ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا يَمِينًا مُنْعَقِدَةً نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى إذَا لَمْ يَفِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِمَّا فِي الْمُجْتَبَى اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ ط: وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ يَمِينُ اللَّهِ فَيَمِينٌ، ثُمَّ قَالَ أَيْ صَاحِبُ الرَّمْزِ الْمَذْكُورِ: عَلَيَّ يَمِينٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيَّ يَمِينٌ لَا كَفَّارَةَ لَهَا يُرِيدُ الْإِيجَابَ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ لَهَا كَفَّارَةٌ اهـ.
مَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي مَا نَصُّهُ طم: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَهَذَا صَرِيحُ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا كَانَ " عَلَيَّ يَمِينٌ " مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ " عَلَيَّ نَذْرٌ " وَ " عَلَيَّ يَمِينٌ " فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْحَقُّ أَنَّهُ مِثْلُهُ فَهَذَا تَأْيِيدٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَصَدَ غَيْرَ الْيَمِينِ فَيُدَيَّنُ) رَأَيْت فِي هَامِشِ بَعْضِ النُّسَخِ أَقُولُ: حَقُّ الْعِبَارَةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَمَا فِي النَّهْرِ لِمَا قَالَهُ شَيْخُنَا: إنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ حَتَّى يَكُونَ لِلدِّيَانَةِ فِيهَا مَدْخَلٌ، تَأَمَّلْ. وَبِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي تَحْتَ قَوْلِهِ: وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا إلَخْ حَيْثُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا حَقٌّ حَتَّى يُرْفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْقَاضِي اهـ.
قُلْت: قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا حَقُّ عَبْدٍ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا، أَوْ عَتَاقًا عَلَى حَلِفِهِ ثُمَّ حَلَفَ بِذَلِكَ وَقَالَ: قَصَدْتُ غَيْرَ الْيَمِينِ فَلَا يُصَدَّقَ قَضَاءً بَلْ يُدَيَّنُ.