للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل موضع ذكرت فيه الباء تعليلاً لما قبلها بما بعدها أفاد التسبب، وكل موضع صرح فيه بأن كذا جزاء لكذا، أفاد التسبب، فإن العلة الغائية علة للعلة الفاعلية، ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة، ويكفي شهادة الحس والعقل والفطر، ولهذا قال من قال من أهل العلم تكلم قوم في إنكار الأسباب فأضحكوا ذوي العقول على عقولهم، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد فشابهوا المعطلة الذين أنكروا صفات الرب ونعوت كماله، وعلوه على خلقه، واستواءه على عرشه، وتكلمه بكتبه، وتكليمه لملائكته وعباده، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد، فما أفادهم إلا تكذيب الله ورسوله وتنزيهه عن كل كمال، ووصفه بصفات المعدوم والمستحيل، ونظير من نزه الله في أفعاله وأن يقوم به فعل البتة، وظن أنه ينصر بذلك حدوث العالم وكونه مخلوقاً بعد إن لم يكن، وقد أنكر أصل الفعل والخلق جملة، ثم من أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب، فإذا رأي العقلاء أنه لا يمكن إثبات توحيد الرب سبحانه إلا بإبطال الأسباب ساءت ظنونهم بالتوحيد وبمن جاء به، وأنت لا تجد كتاباً من الكتب أعظم إثباتاً للأسباب من القرآن.

ويالله العجب! إذا كان الله خالق السبب والمسبب وهو الذي جعل هذا سبباً لهذا والأسباب والمسببات طوع مشيئته وقدرته منقادة لحكمه إن شاء أن يبطل سببية الشيء أبطلها كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم وإغراق الماء على كليمه وقومه، وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع تمنع تأثيرها مع بقاء قواها، وإن شاء خلى بينها وبين اقتضائه لآثارها، فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا، فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد؟ وأي شرك يترتب على ذلك بوجه من الوجوه؟

ولكن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق والماء لا يغرق والخبز لا يشبع والسيف لا يقطع ولا تأثير لشيء من ذلك البتة ولا هو سبب لهذا الأثر وليس فيه قوة وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا

<<  <  ج: ص:  >  >>