لكذا- قالوا هذا هو التوحيد، وإفراد الرب بالخلق والتأثير، ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة ظن بالتوحيد، وتسليط لأعداء الرسل على ما جاؤوا به، كما تراه عياناً في كتبهم ينفرون به الناس عن الإيمان، ولا ريب أن الصديق الجاهل قد يضر مالا يضره العدو العاقل، قال تعالى عن ذي القرنين:{وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} ١ ثم ذكر تفسير الآية وذكر آيات أخر، وشفى بذلك صدور المؤمنين، ومن أراد الوقوف على تفصيل ذلك فليراجع هذا الكتاب.
والمقصود؛ أن قول ذلك الزائغ الذي أجراه مع أمير الجبل هو كذب لا أصل له، وإني أعلم أنه من أكذب الناس وأكثرهم رياء، وأنه لو كان صادقاً فيما نقله فالكلام مع العوام لا يترتب عليه شيء، وأن مسألة الأسباب سواء قلنا فيها بقول السلف أم لا، لا تعلق لها مع الدعاء والعبادة، فإن ذلك من خصائص الله تعالى باتفاق العقلاء وأهل المعرفة، وأن الأشاعرة القائلين بعدم تأثير الأسباب لا يقولون بجواز عبادة غير الله، فلا يسجد لغير الله، ولا يذبح لغير الله، ولا ينذر لغير الله، ولا يحلف بغير الله، ولا يستغاث ولا يستعان بغير الله.
وكل هذا يفعله قوم ذلك الزائغ فما حجتهم في هذا العمل الباطل؟ فليجب عن هذا ثم ليفتخر بما كان منه مع أمير حائل العامي، وأنه يتبجح بإلزامه وإفحامه، ألا لعنة الله على الكاذبين.
الوجه السابع: أن الشعراء الذين أورد النبهاني من شعرهم في الاستدلال على جواز الاستغاثة بغير الله والاحتجاج على مشروعية دعاء سواه سبحانه- بل كل من كان على هذا المنهج من الغلاة- فهو إما من القائلين بالحلول والاتحاد وهو الذي سوغ له ذلك الدعاء والالتجاء إذ الكل واحد، وعلى ذلك قول قائلهم:
وتلتذ إن مرت على جسدي يدي ... لأني في التحقيق لست سواه