للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بسط الكلام على مسألة الأسباب العلامة الحافظ الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية في كتابه (شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل) قال في أثناء كلامه: "إنه سبحانه ربط الأسباب بمسبباتها شرعاً وقدراً، وجعل الأسباب محل حكمته في أمره الديني والشرعي، وأمره الكوني القدري، ومحل ملكه وتصرفه، فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات، وقدح في العقول والفطر، ومكابرة للحس، وجحد للشرع والجزاء، فقد جعل سبحانه مصالح العباد في معاشهم ومعادهم والثواب والعقاب والحدود والكفارات والأوامر والنواهي والحل والحرمة كل ذلك مرتبطاً بالأسباب قائماً بها، بل العبد نفسه وصفاته وأفعاله سبب لما يصدر عنه، بل الموجودات كلها أسباب ومسببات، والشرع كله أسباب ومسببات، والمقادير أسباب ومسببات، والقدر جار عليها متصرف فيها، فالأسباب محل الشرع والقدر، والقرآن مملوء من إثبات الأسباب، كقوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ١ {بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} ٢ {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} ٣ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} ٤ وسرد آيات كثيرة، إلى أن قال: وهذا أكثر من أن يستوعب.

وكل موضع تضمن الشرط والجزاء أفاد سببية الشرط والجزاء، وهو أكثر من أن يستوعب كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} ٥ وقوله: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ٦.

وكل موضع رتب فيه الحكم على ما قبله بحرف أفاد التسبب وقد تقدم،


١ سورة السجدة: ١٤.
٢ سورة يونس: ٥٢.
٣ سورة الحج: ١٠.
٤ سورة الشورى: ٣٥.
٥ سورة الأنفال: ٢٩.
٦ سورة إبراهيم: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>