يقولون عنا أنا مشركون ونحن من أخلص الناس توحيداً له سبحانه؟! قال: فقلت له: إن أهل بلادنا لا يثبتون للأسباب تأثيراً، وأنتم تثبتون التأثير والعلل والحكم والمصالح، فإذا كان الأمر كذلك فقد أشركتم مع الله مؤثراً في الوجود، وهذا هو الشرك الأكبر، قال: وأما أصحابنا فعندهم أن السكين عند إمرارها على شيء لا تقطع بل يخلق الله القطع عند ذلك، وليس في الماء قوة الري مودعة فيه بل الري يخلق عند شربه لا به، والنار ليست بمحرقة بل الإحراق عندها لا بها، والعين ليست بمبصرة والأذن ليست بسامعة بل الإبصار والسماع عندهما لا بهما، وهكذا في جميع ما يعتقد أنه سبب في الظاهر. فإذا قال القائل مستغيثاً بأحد من الأموات: يا فلان افعل كذا وكذا فالمقصود الطلب من الله أن يقضي حاجته.
وبعد أن فرغ من هذا الهذيان وسكت، قلت له: فما أجابك الأمير؟ قال: لم يجبني بشيء، فقلت: كان ينبغي أن يجيبك ويسألك من قال هذا الكلام الذي ذكرته؟ وعمن نقلته؟ وأي دليل لك عليه من الكتاب والسنة وسلف الأمة، وينبغي على قولك هذا أن يطلب من المخلوق كل شيء يطلب من الخالق، وينبغي أن لا يعترض على عبدة الأصنام وطلبهم من أصنامهم ما يطلب من الله، فإنهم أيضاً كانوا يعتقدون أن أصنامهم وسائط ووسائل وشفعاء، وكانوا يقولون:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ونحو ذلك من الكلام، وإذا سئلوا من يرزقكم ومن خلق السموات والأرض ليقولن الله.
وقد سبق في هذا الكتاب في عدة مواضع بيان ذلك، وأن كلام الغلاة هذا وكلام عبدة الأصنام من واد واحد، وقد تشابهت قلوبهم، وأوردت له عدة آيات ونصوص في إثبات الحكمة والتعليل، وأن الله هو خالق السبب والمسبب، وأن هذا هو ما اقتضاه الكتاب والسنة وكلام السلف، فلم يزده ذلك إلا نفوراً واستكباراً عن قبول الحق، فإنه كان من قوم ظروفهم من الظرف خالية، وغرفهم من العقل خاوية، وصحنهم من العلوم بيضاء صافية، وجيفهم فوق الماء طافية، في الأنعام، لا في الأنام، ومثله بلاء على الإسلام.