ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغلو، فإن من جملة آياته صلى الله عليه وسلم القرآن العظيم الشأن، وهو الكتاب الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ١. وهو الكتاب الذي أنزله نوراً وجعله مهيمناً على كل كتاب، وهو الكتاب الذي أنزله وفضله على كل حديث قصه، وجعله فرقاناً فرق به بين الحلال والحرام، وقرآناً أعرب به عن شرائع الأحكام، وكتاباً فصله لعباده تفصيلاً، ووحياً أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تنزيلاً، وجعله نوراً يهتدى به من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه، وشفاء لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه، وميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه، ونور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه، وعلم نجاة لا يضل من أم قصد سنته، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته، وكيف يحل لمسلم أن يقول: إن القرآن لا يناسب قدر النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو منحط عن قدره! وهو كلام الله وكلام الله غير مخلوق، منه بدا وإليه يعود.
ثم إن اسم الله الأعظم وسائر أسمائه الحسنى إذا ذكرها الذاكر لم تحيي دارس الرمم فههنا أمران عظيمان: انحطاط قدر القرآن الذي هو صفة من صفات الله عن قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المناسب لقدره أن يحصي اسمه حين يدعى دارس الرمم، وليس هذا بجائز عند أحد من فرق المسلمين فضلاً عن أهل السنة، فإنه ليس وراء هذا الغلو غلو أعظم منه، ولهذا ذهب المتعصبون للناظم في كل واد من أودية التأويل.
ففي كتاب "غرائب الاغتراب": أن مما جرى البحث عنه بيت البوصيري هذا وهو مشكل، وأمر معضل، فإن مقتضى لو وكون القرآن داخلاً في آياته صلى الله عليه وسلم أن لا يكون القرآن العظيم مناسباً قدره عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم، وذلك مما لا يكاد يقال، لما أن القرآن كلام الملك المتعال.
ثم أجاب بأجوبة غير مرضية، إلى أن قال: الجواب يتوقف على تحقيق