للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضع. وأما قول الغلاة وتلبيسهم بأنه صلى الله عليه وسلم أعطى الشفاعة يوم القيامة، وأنزل عليه {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} ١ فهذا تلبيس منهم وتشبيه على من لا يدري الحقائق ولم يتفطن لمسألة النزاع، فإن الخصومة والنزاع في طلب الشفاعة أو غيرها من الشفعاء في حال مماتهم وقصدهم لذلك ونحوه من المطالب المهمة.

وأما حصول الشفاعة وسؤاله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فهذا لا ينكر، وهو من جنس ما كان يطلب منه في حياته صلى الله عليه وسلم، وأما بعد موته فلم يعرف عن أحد من أصحابه ولا عن أئمة الإسلام بعدهم أنه دعاه وطلب منه شفاعة أو غيرها، وإنما فعله بعض الخلوف الذين لا يرجع إليهم في مسائل الأحكام، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

ومن ذلك قول البوصيري أيضاً في قصيدته البردة في شأن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم:

لو ناسبت قدره آياته عظماً ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم

يقول: لو ناسبت آياته ومعجزاته عظم قدره عند الله تعالى وكمال قربه وزلفاه عنده؛ لكان من جملة تلك الآيات أن يحيي الله العظام الرفات ببركة اسمه وحرمة ذكره، حيث يتيمن به في الدعوات، ويتوصل به في المهمات، وذلك لأن الملوك المجازية إذا توسل عندهم باسم من له قرب ومكانة لديهم وتوصل بذكره لقضاء المآرب وإنهاء المطالب يقضون الأوطار الرفيعة تنويهاً بذكره وتنبيهاً على قدره، فمالك الملوك وإن كان أحق بذلك وأولى لكن حكمته ما اقتضته صونا للضعفة عن المداحض، وعوناً على العوام في مزالق الأقدام، وخص إحياء الموتى لكونه أرفع المطالب وأنفعها، ولأنه كما أحيى ببركة المسمى موتى القلوب والأرواح، فالمناسب أن يحيي ببركة الاسم تلك العظام والأشباح، انتهى ما قاله بعض شراح هذه القصيدة.


١ سورة الإسراء: ٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>