للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الآخر:

ها إنها إن تضق الصدور ... لا ينفع القُل ولا الكثير١

وبذلك على أن "ها" لم يتجاوزها حرف الجر إلى "ذا" من حيث كانت شديدة الاتصال به على ما يظنه هذا السائل بيت الكتاب، وهو قوله:

ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت: لها هذا لها ها وذا ليا٢

أي: وهذا ليا؛ فتقديم "ها" على حرف العطف بدل على أنه ليس متصلًا بـ "إذا".

وإذا جاز أن يعترضوا بـ "ما" بين الجار والمجزوم وليس فيها غرض أكثر من التوكيد نحو قوله: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ} [النساء: ٧٨] ٣، و {أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: ١١٠] ٤، و {فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَدًا}


١ يؤكد الشاعر على فكرة محدودة وهي أن الصدور إذا ضاقت لا ينفع معها القل ولا الكثير.
وقوله: "إنها" أسلوب توكيد، قوله: "لا ينفع" أسلوب نفي، والنفي والتوكيد كلاهما يوضح الفكرة ويؤكد المعنى الذي يرمي إليه الشاعر.
والمقابلة بين "القل والكثير" تبرر المعنة بالتضاد وتزيده وضوحًا.
الشاهد في قوله "ها إنها" حيث اتصلت "ها" التنبيه بحرف التوكيد إن.
ويبدو من الأمثلة السابقة أن أداة التنبيه "ها" قد تتصل بالضمير "ها أنتم" وقد تتصل بالاسم المعرف "ها السلام عليكم"، وقد تتصل بالمعرف "ها إنها".
٢ يقول الشاعر: إننا اقتسمنا المال نصفين بيني وبينها فقلت لها: هذا لك وهذا لي.
وأسلوب البيت خبري.
الشاهد فيه قوله "ها وذا ليا".
٣ يدرككم: أدرك: لحق وبلغ ونال. مادة "درك" القاموس المحيط "٣/ ٣٠١".
الشاهد فيه: اعتراض "ما" بين الجازم والمجزوم وهي للتوكيد ليس أكثر.
٤ سبب نزول هذه الآية كما أخرجها ابن مدويه وغيره عن ابن عباس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة ذات يوم؛ فدعا فقال في دعائه: "يا الله يارحمن"، فقال المشركون: انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إلهين؛ فنزل قوله تعالى {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} .
انظر/ مختصر تفسير الطبري "ص٣٥٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>