فأما ما يختص به: فيجوز أن يكون سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- شفاهًا، أو من صحابي آخر، وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن ما انفردوا به من العلم أكثر من أن يحاط به..... ثم بين أن قوله لا يخرج عن الوجوه الآتية: أحدهما: أن يكون سمعها من النبي -صلى الله عليه وسلم-. الثاني: أن يكون سمعها ممن سمعها منه. الثالث: أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهمًا خفي علينا. الرابع: أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم، ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده. الخامس: أن يكون لكمال علمه باللغة، وشهود تنزيل الوحي، ومشاهدة تأويله بالفعل يكون فهم ما لم نفهمه. وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب اتباعها. السادس: أن يكون فهم ما لم يرده الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأخطأ في فهمه. وعلى هذا التقدير لا يكون له حجة. ومعلوم -قطعًا- أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين، وذلك يفيد ظنًّا غالبًا قويًّا على أن الصواب في قوله، دون ما خالفه، وليس المطلوب إلا الظن الغالب، والعمل به متعين. وأما المدارك التي شاركناهم فيها من دلالات الألفاظ، والأقيسة، فلا ريب أنهم كانوا أبرّ قلوبا، وأعمق علما، وأقرب إلى أن يوفقوا فيما لم نوفق له؛ لما خصهم الله -تعالى- به من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحسن الإدرك، فالعربية سليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرتهم وعقولهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث، والجرح والتعديل. وعلى هذا كانت آراؤهم حجة بالنسبة لغيرهم الذين لم تتوافر لهم مزاياهم =