النوع الثاني: أحكام كانت ثابتة في الشرائع السابقة، وجاء الإسلام فقررها، سواء أكانت في الكتاب أم في السنة، وهذا النوع لا خلاف -أيضًا- في أننا مكلفون بها بالنصوص التي في شريعتنا، لا نقلًا عن الشرائع السابقة، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣] . ومثل ما أخرجه ابو داود وابن ماجه، عن جابر -رضي الله عنه- قال: ذبح النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الذبح -أي في يوم العيد- كبشين أقرنين أملحين مرجأين -أي: خصيين- فلما وجههما قال: "إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك وإليك عن محمد وأمته، بسم الله، والله أكبر" ثم ذبح "التاج: ٣/ ١١٣-١١٤". النوع الثالث: ما ورد في شريعتنا عن الأمم السابقة ولم يقترن به ما يدل على أنه كان خاصًا بهم، كما لم يتقرن به ما يدل على أننا مكلفون به، فهذا هو محل الخلاف. وهذا الخلاف مبني على مسألة أخرى، وهي: هل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان متعبدًا -قبل البعثة- بشرع أحد من الأنبياء السابقين أو لا؟ فيه أربعة مذاهب: المذهب الأول: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان متعبدًا بشرع من قبله من الأنبياء والمرسلين، وهو مذهب جمهور الحنفية والمالكية والشافعية، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد. المذهب الثاني: أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن متعبدًا بشرع أحد ممن قبله، وهو مذهب =