للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلهذا كره أن يقول الرجل أسألك بمعقد العز من عرشك لأنه ليس دعاء بأسماء الله وصفاته فلا يجوز. والعلة في المنع من الدعاء المذكور هو ما صرح به الإمام من أن الدعاء خاص بالوارد المأذون فيه، وهو ما دلت عليه الآية المذكورة، ويتبين من هذا أن سبب منعه من الدعاء المذكور هو عدم كونه توسلًا بالأسماء الحسنى والصفات العليا.

وبهذا يتضح ضعف ما علل به متأخروا فقهاء الحنفية منع الإمام أبي حنيفة من الدعاء المذكور بأن العبارة توهم - على رواية معقد العز من عرشك بتقديم العين - تعلق عزه بالعرش، وهو محدث، والله تعالى بجميع صفاته قديم، لم يزل موصوفًا بها في الأزل (١)، وقالوا: إن معناه لا ينكشف لكل أحد (٢).

وقالوا على رواية مقعد العز من عرشك بتقديم القاف على العين (٣): لا ريب في منعه لأنه يكون من القعود الذي هو الجلوس لاستحالته على الله تعالى.

ووجه ضعف ما عللوا به، هو أن علة المنع في كلام الإمام واضحة جدًا وهو عدم جواز دعاء الله تعالى إلا ما دلت عليه الآية، وهي علة عامة تعم هذا المثال الذي ذكره الإمام وغيره مما يدخل في التوسل البدعي أو الشركي.

وهؤلاء المتأخرون ظنوا أن علة المنع هو ما في المثال من الإيهام.

وقد يقال: إن الإيهام المذكور سبب من أسباب المنع إلا أنه ليس هو السبب الذي يدل عليه كلام الإمام.

ثم على كلام هؤلاء إن هذا الإيهام لو لم يكن لجاز هذا الدعاء، وهذا خلاف مراد الإمام المفهوم من سياق كلامه.


(١) و (٢) انظر كتب الحنفية السابقة.
(٣) شرح الإحياء للزبيدي: ٥/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>