للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على ضعف قولهم اعتراض بعضهم على الإيهام الذي ذكروه وأنه لا محذور فيه، لأن تعلق الصفة بشيء حادث لا يوجب حدوث تلك الصفة (١).

وبعضهم تأول وقال: إن العز صفة للعرش ولا مانع من ذلك (٢).

وهذا كله يدل زيادة على ما سبق على ضعف ما عللوا به، وأن الصحيح ما يدل عليه كلام الإمام من اشتراط كونه بالله وأسمائه وصفاته.

ولهذه العلة نفسها كره الإمام قول الرجل في دعائه أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك، لأنه ليس دعاء بالله ولا بأسمائه وصفاته.

ولكن فقهاء الحنفية المتأخرون عللوا أيضًا سبب المنع بأنه لا حق لمخلوق على الله تعالى، فيعترض عليهم بأن الله أثبت على نفسه تفضلًا وتكرمًا حقًا لعباده الموحدين كما في حديث معاذ المتفق عليه "أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ " (٣).

فثبت بهذا ضعف علتهم هذه أيضًا.

وبهذا يعلم دقة فقه السلف وغوصهم على المعاني، وأن المتأخرين قد يصعب عليهم معرفة مرادهم، وأنهم يعللون كلام السابقين بغير مرادهم.

ويعلم أيضًا أن أبا حنيفة وأصحابه لا يجيزون التوسل البدعي، ولم يخالف في هذا من أصحابه إلا أبو يوسف في بعض صوره، وتبعه الفقيه أبو الليث فقد قالا: بجواز قوله: بمعاقد العز من عرشك".


(١) نتائج الأفكار تكملة فتح القدير: ٨/ ٤٩٨ - ٤٩٩، وابن عابدين على رد المحتار: ٥/ ٣٩٥، وانظر تحقيق هذه المسألة في جامع الرسائل: ١/ ١٧٧ - ١٨٣، والفتاوى: ٦/ ٢٦٨ - ٢٨٨.
(٢) تبيين الحقائق: ٦/ ٣١.
(٣) أخرجه البخاري: ٦/ ٥٨ رقم ٢٨٥٦، ومسلم: ١/ ٥٨ رقم ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>