للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - من الاعتداء الذي تشمله الآية الابتداع في الدعاء، فإن الدعاء عبادة وهي توقيفية، فمن ابتدع عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، فقد اعتدى طوره واعتدى على حق الله الذي هو التشريع.

ثم إنه عَبَدَ الله بما لم يشرعه وتقرب إليه بما لم يأذن به وسأل الله تعالى بما لم يأذن له بسؤاله به (١).

جـ - من الاعتداء في الدعاء: سؤال الله تعالى ما لا يجوز له سؤاله (٢)، وهذا يتصور في أشياء:

١ - سؤاله ما لا يليق به مثل منازل الأنبياء، وقد فسر بعض السلف الآية بذلك (٣).

ويدل على ذلك ما ورد عن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله يقول: "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء" (٤).

وإنما أنكر عبد الله بن مغفل على ابنه هذا الدعاء لأن ابنه طمع فيما لا يبلغه عمله حيث سأل منازل الأنبياء، وهذا اعتداء في الدعاء لما فيه من تجاوز الأدب ويحتمل أنه إنما نهاه لأنه سأل شيئًا معينًا (٥)، ويمكن أنه


(١) الفتاوى: ١٥/ ٢٣، وبدائع الفوائد: ٣/ ١٣.
(٢) قال القرطبي: "ومن شرط المدعو فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعًا"، الجامع: ٢/ ٣١١.
(٣) أخرجه الطبري بإسناده عن أبي مجلز لاحق بن حميد: ٨/ ٢٠٧، وذكره البغوي: ٢/ ١٦٦، وانظر بغية المرتاد ص: ٣٩٠.
(٤) أخرجه أحمد في المسند: ٤/ ٨٧، وأبو داود: ١/ ١٦٩ رقم ٩٦، وابن ماجه: ٢/ ١٢٧١ رقم ٣٨٦٤، وقال الحافظ ابن كثير بعد أن ساق إسناده: "وهو إسناد حسن لا بأس به"، التفسير: ٢/ ٢٢٢، وصححه الألباني في الإرواء: ١/ ١٧١، وصحيح ابن ماجه: ٢/ ٣٣١ رقم ٣١١٦.
(٥) عون المعبود: ٢/ ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>