للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلها من عيون الرثاء وغرره. وفيها يقول (١):

يا هرّ فارقتنا ولم تعد ... وكنت منّا بمنزل الولد

فكيف ننفكّ عن هواك وقد ... كنت لنا عدّة من العدد

تطرد عنا الأذى وتحرسنا ... بالغيب من حبّة ومن جرد (٢)

وتخرج الفأر من مكامنها ... ما بين مفتوحها إلى السّدد

حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا ... ولم تكن للأذى بمعتقد

وحمت حول الرّدى بظلمهم ... ومن يحم حول حوضه يرد

صادوك غيظا عليك وانتقموا ... منك وزادوا ومن يصد يصد

ما كان أغناك عن تصعّدك ال‍ ... برج ولو كان جنة الخلد

والمرثية كلها تفجع على هذا المنوال، وتزخر بالحكم مع الحسرة على فقد الهرّ ومع التأمل فى الموت وحقائق الحياة. ومن طريف ما نجد من مرثيات فى العصر رثاء أبى الشبل البرجمىّ التميمى لقنديل حطمه كبش دخل بيته وعاث فيه (٣) وكذلك بكاؤه قرطاسا سرق منه خلسة (٤).

وأكثر الشعراء فى العصر من العتاب والاعتذار، سواء بين المتحابين أو بين الأصدقاء، وقد تفننوا فى ذلك على صور شتى تسعفهم ملكاتهم العقلية الخصبة بمعان وخواطر لم تفد على سابقيهم، أو لعلها وفدت ولكنهم أبرزوها إبرازا جديدا، تسعفهم فى ذلك مشاعرهم المرهفة وأذواقهم المتحضرة الرقيقة ومهارتهم فى الإتيان بالمعانى التى تروق وتروع العقول والقلوب جميعا، وربما كان من أجمل ما صاغوه فى العتاب قول سعيد بن حميد (٥):

أقلل عتابك فالبقاء قليل ... والدهر يعدل تارة ويميل


(١) انظر فى القصيدة وترجمة ابن العلاف ابن خلكان (طبع مطبعة الوطن) ١/ ٢٤٥ وانظر طبقات الشعراء لابن المعتز (طبع دار المعارف) ص ٣٥٩ وتاريخ بغداد ٧/ ٣٧٩ ونكت الهميان ص ١٣٩.
(٢) الجرد: الفأر.
(٣) الأغانى (طبعة دار الكتب المصرية) ١٤/ ٢٠٤.
(٤) الأغانى ١٤/ ٢٠٩.
(٥) زهر الآداب ٢/ ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>