للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لابن المنجم المذكور فى ابنة له على هذه الشاكلة (١):

لا تبعدنّ كريمة أودعتها ... صهرا من الأصهار لا يخزيكا

إنى لأرجو أن يكون صداقها ... من جنّة الفردوس ما يرضيكا

لا تيأسنّ لها فقد زوّجتها ... كفؤا وضمّنت الصداق مليكا

وكانوا يحاولون النفوذ إلى العزاء بأن الموت مصير لا بد منه، وأن أحدا لن يعيش إلا إلى أجل محدود فنحن دائما مشدودون إلى الموت، وكل لحظة تمضى تموت ولا تعود إلى الحياة أبدا، فالدهر لا يعيدها ولا تعيدها أيامه، بل لكأن الأيام خلقت لكى تنزل الكوارث على الناس، أما ما قد تجلبه لهم من حسن ونعم فهى إنما تجلبه عن غير عمد، وفى ذلك يقول ابن المعتز فى بعض مراثيه (٢):

ألست ترى موت العلا والمحامد ... وكيف دفنّا الخلق فى قبر واحد

وللدّهر أيام يسئن عوامدا ... ويحسنّ إن أحسنّ غير عوامد

وسعر موت الأبناء وذوى الرحم قلوب الشعراء، فبكوهم بدموع غزار وأنوا أنينا حارّا من قلوب جريحة كوتها نار الفراق الملتهبة، ومضوا يتأوهون وجذوات الحزن الممض تلذع أفئدتهم لذعا، ويشتهر فى هذا الجانب ابن الرومى برثائه لابنه الأوسط وقد مات منزوفا وهو لم يزل فى المهد صبيّا، وأحس كأن القدر اختطف منه فلذة كبيرة من كبده، فامتلأت نفسه حزنا وشقاء، وقعهما على قيثارته ودموعه تنحدر على خديه، وإنه ليخاطب عينيه أن ترسل الدموع غزيرة، علّها تنفس عنه شيئا من محنته فى ابنه، يقول (٣):

بكاؤكما يشفى وإن كان لا يجدى ... فجودا فقد أودى نظيركما عندى (٤)

أريحانة العينين والأنف والحشا ... ألاليت شعرى هل تغيّرت عن عهدى

كأنى ما استمتعت منك بضمّة ... ولا شمّة فى ملعب لك أو مهد

وأنت وإن أفردت فى دار وحشة ... فإنى بدار الأنس فى وحشة الفرد


(١) زهر الآداب ٢/ ١٧٣.
(٢) الديوان ص ١٨٧.
(٣) الديوان ص ٢٩.
(٤) يجدى: يفيد. أودى: هلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>