للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أبو سليمان الطنبورى المغنى فقد استمع إلى غنائه القبيح يوما، فتراءى له فى صورة بغل لطحّان ما يزال يحرك فكيه فى أكل طعامه من الفول وغيره، أو كما يقول (١):

وتحسب العين فكيه إذا اختلفا ... عند التنغم فكّى بغل طحّان

وهو جانب طريف عند ابن الرومى سنعرض له ثانية فى ترجمته، والمهم أن نعرف الآن أنه استطاع أن ينمى الهجاء فى هذا الجانب الساخر إلى ذروة لم يصل إليها الشعر العربى قبله ولا بعده.

وظل الفخر نشطا فى العصر، وكان قد ضعف الفخر القبلى منذ العصر الماضى وظل ضعيفا فى هذا العصر لضعف الشعور بالعصبية القبلية، وإن كنا نجد هذا الشعور من حين إلى حين. ولكنه على كل حال كان شعورا خافتا، ونجده أحيانا على لسان البحترى حين يفتخر بطيئ قبيلته. وكذلك على لسان ابن الجهم القرشى حين يفتخر بقريش وجدها فهر بن مالك قائلا (٢):

أبت لى قروم أنجبتنى أن أرى ... وإن جلّ خطب خاشعا أتضجّر

أولئك آل الله فهر بن مالك ... بهم يجبر العظم الكسير ويكسر

هم المنكب العالى على كل منكب ... سيوفهم تفنى وتغنى وتفقر

وبقيت من ذلك بقية عند ابن المعتز، إذ نراه يفخر طويلا على بنى عمومته العلويين، وهو فخر سياسى يدور حول الخلافة وأن العباسيين أولى بها من العلويين، وربما كان أروع من هذا الفخر عنده فخره العام الذى يخلطه بشكواه، والذى يتحدث فيه عن حبه مقدما لبعض صواحبه فضائله من الشجاعة والبأس والكرم الفياض والوفاء، ومن طريف فخره قوله (٣):

لا أشرب الماء إلا وهو منجرد ... من القذى ولغيرى الشّوب والرّنق (٤)

عزمى حسام وقلبى لا يخالفه ... إذا تخاصم عزم المرء والفرق (٥)


(١) الديوان ص ٣٦١.
(٢) الديوان ص ١٣٢.
(٣) الديوان ص ٣٣٠.
(٤) الشوب: الماء المخلوط. الرنق: الكدر.
(٥) الفرق: الخوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>