للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سدت أبواب المخارجة في وجه القوم فلجأ إبراهيم (وهو يبصرهم بطريق الحق- شأن الداعية الحكيم - إلى استثارتهم واستفزازهم ليستيقظوا لمناقشته ومناظرته مرة بعد مرة حتى تتضح القضية الملتبسة التي من أجلها ثار الجدال والنزاع، كما فعل موسى (مع فرعون عندما ذكّره بربوبية الله بقوله: (وأهديك إلى ربك فتخشى ((النازعات ١٩) . ليظهر ما يجول في الخاطر من حق أو باطل: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها ((الأنعام ١٠٤) .

فأثارهم أولا عمليّاً ليراجعوا أنفسهم فحطم أصنامهم: (فجعلهم جذاذاً إلا كبيرا لهم ((الأنبياء ٥٨) خَلْقاً ومنزلة، وعلق الفأس في عنقه أو جعله في يده ليحتج به عليهم فيبكتهم كيف تقع هذه الفاجعة وكبير الآلهة حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة؟ أو كما قال ابن كثير: "ليعتقدوا أنه هو الذي غار لنفسه وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها" (١) لأن من شأن المعبود أن يُرْجَع إليه في المهمات والملمات، (لعلهم إليه يرجعون ((الأنعام ٥٨) . ولكنهم إذا رجعوا إليه لم يجدوا عنده خبرا.

فبدلا من مراجعة أنفسهم، إذا هم يبحثون عمن كسرها وفتك بها هذا الفتك المؤلم قائلين: (من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ((الأنبياء ٥٩- ٦١) . فلا زالوا مصرين على أنها آلهة وهي جذاذٌ.

ثم أثارهم ثانية نظرياً، فاستفزهم بالكلام وقهرهم، فاستولى عليهم الغضب وظهرت فيهم بوادر الانتقام فقالوا: (ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ ((الأنبياء ٦٢) .


(١) تفسير ابن كثير ج٣/١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>