للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الطاغية فزع إلى وجه آخر مغالطاً نفسه ومموهاً به على قومه، فنسب ما هو من اختصاص الله لنفسه بقوله: (أنا أحيي وأميت (وعنى بذلك أنا أقتل من أردت قتله فيكون ذلك مني اتلافاً له، وأستحيي من أردت قتله فلا أقتله فيكون ذلك مني إحياءً له، على حدّ ما تعارفوا عليه، كما حكى الله بقوله: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ((المائدة ٣٢) . (١) .

فسلم له إبراهيم (تسليم الجدل، وانتقل معه إلى الاحتجاج بسنة ظاهرة مرئية ليفحمه، فقال له: (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب (لكون هذه الحجة لا تجري فيها المغالطة ولا يتيسر له أن يخرج عنها بمخرج المكابرة والمشاغبة، (فبهت الذي كفر (فانقطع وبطلت حجته وسكت متحيراً (٢) .


(١) قال القرطبي: ذكر الأصوليون في هذه الآية أن إبراهيم (لما وصف ربّه تعالى بما هو صفة له من الإحياء والإماتة لكنه أَمْرٌ له حقيقة ومجاز، قصد إبراهيم إلى الحقيقة، وفزع نمروذ إلى المجاز. أحكامه ج٣/ ٢٨٣- ٢٨٦، وانظر تفسير الطبري ج٣/٢٣، ومفردات الراغب (٢٦٩) روح المعاني للألوسي ج٣/١٥، في ظلال القرآن ج١/٢٩٧.
(٢) يقال: بَهُتَ وبَهِتَ وبُهِتَ: إذا انقطع وسكت متحيراً، وبُهِت يُبْهَت بَهْتاً، ويقال: بهتُّ الرجلَ إذا افتريت عليه كذباً. وقُريء: (فَبَهَتَ (بفتحهما يعني: سب وقذف نمروذ إبراهيم (حين انقطع وفقد الحيلة كشأن المغلوب المخذول، وكونه وُصِف بصفة الكفر للتسجيل عليه، والإشعار بأن تلك المحاجة كُفْرٌ. أحكام القرآن للقرطبي ج٣/٢٨٦.وانظر: تفسير الطبري ج٣/٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>