للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يكن الاستعطاف كافيا أو الاستنكار والوعيد مانعا من مواصلة الجهد، كما أن الخليل (مع إعراض أبيه وغلظته لم يقطع أمله ولم يقلل من وعظه ونصائحه حتى في ثنايا تخويفه بل قال: (سلام عليك سأستغفرلك ربي إنه كان بي حفيّا (قلبه ليهديه إلى الخير الذي هداه الله إليه، فخاطبه بألفاظ مفعمة بالتبجيل والتعظيم: (يا أبت..يا أبت (. (١) .

المطلب الثاني: (أسلوب المناظرة والمحاجة)

المناظرة والمحاجة كما يقول السيد الجرجاني: "قريبتا المعنى، وهي: النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب" (٢) .

قال القرطبي: "دلت الآيات على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة، وفي القرآن والسنة من هذا كثير لمن تأمله، فهو كله تعليم من الله السؤال والجواب والمجادلة في الدين، لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجة الحق ودحض حجة الباطل، وجادل النبي (أهل الكتاب وباهلهم (٣) ، وتجادل أصحاب النبي (يوم السقيفة وتدافعوا وتناظروا حتى ظهر الحق وصدر ونفذ في أهله وغير ذلك، فالاحتجاج بالعلم والأدلة مباح وشائع. قال تعالى: (فَلِمَ تُحاجّون فيما ليس لكم به عِلْم ((آل عمران ٦٦) ". (٤) .

وأمر الله تعالى نبيه (أن يجادل بما أوحى إليه، فقال: (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ((الكهف ٢٢) . يقصد به إظهار الحق والوصول إلى الصواب، فإذا ظهر الحق وتبين وجه الصواب وجب قبوله.


(١) أحكام القرآن للقرطبي ج١١/١١١، فتح القدير للشوكاني ج٣/٣٣٦، روح المعاني للألوسي ج٦/٩٦، في ظلال القرآن ج٤/٢٣١٢.
(٢) التعريفات للجرجاني (٢٠٧) .
(٣) المباهلة والابتهال: هو الاجتهاد والتضرع في الدعاء باللعن، وذلك أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا. معاني القرآن للنحاس ج١/٤١٥، وانظر أحكام القرآن للقرطبي ج٤/١٠٤.
(٤) انظر: أحكام القرآن للقرطبي ج٣/٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>