للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوطن في الإبداع له حضوره الخاص، وتشكلاته الجماليّة المتعددة، بتعدد رؤى المبدعين، وخبراتهم الجماليّة، ومواقفهم الشعورية. يظل الوطن محتفظاً بقيمته، فهو المكان الذي يشعر فيه الإنسان بالانتماء، ويلتذ فيه بالبذل والعطاء، واختلاف الصور أيّاً كانت ألوانها وظلالها، وخلفياتها، تشكل في النهاية موقفاً وجدانياً من الوطن لا خلاف حوله، وهو أن الوطن مدار العشق، وقصيدة الشعر التي لم تكتب أيّاً كان ذلك الوطن فميسون بنت حميد بن بجدل تلك البدوية التي تزوجها معاوية بن أبي سفيان ونقلها إلى حاضرة الشام، رفضت هذا العالم الجديد لعدم إحساسها بالانتماء إليه، فحنت إلى وطنها القديم وطلبت من معاوية أن يعيدها إلى أحضانه قائلة:

للبس عباءةٍ وتقّر عيني

أحبّ إليّ من لبس الشُّفوف

وبيت تخفق الأرياح فيه

أحبّ إليّ من قصر منيفِ (١)

وحين نتتبع صورة الوطن عند حمزة شحاتة في فلسفته نجدها إلى الحياد أقرب منها إلى التآلف أو العداء، فالوطن عنده ((عبارة عن مصلحة، أو ضرورة وفي بعض الأحيان تعليم يُفرض كي يُنشيء الشعور بها)) (٢) .

ولا خلاف في أنّ الوطن مصلحة، وضرورة، فالإنسان مدنيٌّ بطبعه، والوطن هو المكان الذي تنشأ في ظلاله المدنية وتقوى، ويشعر الإنسان بوجوده، ومكانته، فالوطن الذي يحقق شهوداً حضارياً، يمنح أبناءه مكانة لا تتحقق لأبناء بلد يغطّ في غياهب الجهل والانطفاء الحضاري.


(١) انظر أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، عمر رضا كحالة، بيروت، مؤسسة الرسالة، بدون تاريخ ٦ / ١٣٦.
(٢) رفات عقل ص ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>