للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة في رؤيته بلا مدينة ولهذا لا تستحق الحب ((إن الحب في بلد مايزال نصيبه من المدينة ضئيلاً - كالقاهرة مثلاً - أشبه بلعبة الثلاث ورقات لا يؤخذ بها إلا الساذج العزير، ترى ما الأمر في لندن وباريس ونيويورك؟!)) (١) .

وهي كائن جامد لا يتغيّر - والجمود في عرف الفنان هو الموت - فالمدينة بهذه الصفة ((عاجزة عن استفزاز مشاعرك الفنية وتغذيتها)) (٢) .

لم يجد حمزة في المدينة قلباً رحيماً، ولا زوجاً حانية، ولا صديقاً مخلصاً، ولا حركة تستفز المشاعر، فانكفأ على ذاته باحثاً عن مدينة فاضلة في أعماقه البعيدة.

وحين نستقريءُ صورة المدينة في شعره نجد حنيناً إلى المدينة، كما في قصيدة “ وُج ” التي يذكر فيها ماضيه الجميل في رحاب ذلك الوادي، ويجعل العيش بعيداً عنه ضرباً من الكذب والفجاجة:

كذب العيش بعد يومك يا وُجُّ

مريراً، والعمرُ بعدك فجا (٣)

ولا يكاد يردُ حديثه عن المكان إلا في سياق الإحساس بالغربة، والضيق والقيود، والعقوق والنقائص كما في قصيدته جدة التي دفن العقل بين شاطئيها في أول بين عندما قال:

النُّهى بين شاطئين غريق

والهوى فيك حالم لا يُفيق (٤)

وقصيدته “ أبيس ” التي قالها في مصر، وتذكر فيها مكة المكرمة مسقط رأسه، فتجلت أحاسيسه مثقلة بالتحديّ للأعداء الذين طال صمته عن سفاهاتهم:

يا حنايا أم القرى فيك قرّت

مهج ما انطوت على شحناء

بيد أن الأذى، وعدوانه السا

در، قد أججا لهيب العداء

فليكن وزره على رأس جاني

سه هجيراً يلوب في رمضاء

قد بلغنا بالصمت آخر حدّيه لياذاً بشيمة الكرماء (٥)

٤- الوطن:


(١) رفات عقل ص ٨٨.
(٢) حمار حمزة شحاتة ص ٥٣.
(٣) الديوان ص ٣٢.
(٤) المرجع نفسه ص ٦٧.
(٥) نفسه ص ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>