للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانتماء الإنسان إلى الوطن عند حمزة “ ضريبة ” يجب أن يدفع الإنسان ثمنها، ولا مجال للتنصل من تبعاتها؛ لأن الوطن لا يستبدل به غيره ((ولا معدى من الصبر، والإذعان، في وسعك أن تترك منزلاً لا يرضيك إلى غيره، ولكن المسألة بالنسبة لوطنك ومجتمعك مختلفة، أيها المواطن الحرّ الصالح)) (١) .

والمواطن الصالح لكي يكون صالحاً، وفعّالاً في بناء وطنه، لابّد أن يشعر بقيمته بوصفه إنساناً، فإذا كان للوطن حقوق على المواطن، فإن على الوطن واجبات ينبغي أن يقوم بها، حتى لا تموت المواطنة في نفوس الأبناء و ((كيف لا تنعدم الوطنية، وتموت الدوافع الشريفة في وطن، القوت الضروري هو شغل أهله الشاغل. إن الفاقة تقتل أشرف الدواعي في النفس)) (٢) .

ويرسم حمزة شحاتة صورة كابية للزقاق، وللمحاكم، لا تخرج عمّا وجدناه في البيت والمدرسة والمدينة. وهذه السوداوية القاتمة لا تكاد تستثني شيئاً من هذا العالم، فالحياة على الأرض عقوبة كبرى ((إن أية عقوبة لا تبلغ شدة النفي إلى الأرض)) (٣) .

ولهذا تآزرت أفكاره ورؤاه الشعرية على النفور من هذا المنفى، وكيف يرضى المدان بزنزانته والعصفور بقفصه. يقول في قصيدته التي تختصر معاناته مع هذا العالم:

رحلةٌ تثمر اللغوب وخيط

من حرير يقتادُنا للشقاءِ

وشجون لا تنتهي وصراعٌ

يسحق الصبر دائم الغلواء

الحجى فيه حائرٌ في ظلام

والأماني موؤدة الأصداءِ

والخيالات في دُجاه شمو

عٌ ثرة الدّمع ذابلاتُ الضياء

والأسى فيه للجراح يغنيّ

عبرتيه محولك الأرجاء

ينشد الفجر وهو ناءٍ غريب

ضائع مثله شهيد الدعاءِ

ألهذا تشقى النفوس بما تهوى

وتكبو الغايات بالعُقلاءِ؟

ويهيم الخيال في ظلمة الحيرة

يسري على بصيص الرّجاء

وتفيض القلوب منطوياتٍ

بجراح الأسى على البُرحاء

يا بريق السراب أسرفت في الجور


(١) المرجع السابق ص ٤٠.
(٢) نفسه ص ٤٧.
(٣) إلى ابنتي شيرين ص ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>