للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففضيلة “ الكرم ” مثلاً كانت دليلاً على القوة، فصارت دليلاً على النفوذ (١) . وهذه الفضيلة لم تنشأ كاملة السمات، وإنما تدرجت من الضرورة إلى أن صارت ملكة لا شعورية، كان الكرم في الأصل دلالة افتخار على اتساع نفوذ القوي فأصبح صفة لازمة لمن تحلهم قوتهم ونفوذهم محل الأبطال والقادة، فالكريم كثير الأعوان، عميق الأثر، رفيع المنزلة ولهذا يمجده الناس مع أن العفيف أكثر قهراً لشهوات النفس (٢) .

والبخل رذيلة بلاشك تدل على ضيق النفس، وفتور الفكر الطامح ولكنه يدل من جهة أخرى على فهم عميق لطبيعة الحياة، وحقيقة الناس، وطبائعهم المطوية (٣) .

فإذا كان الكرم خيالاً جميلاً، فإن البخل حكمة وفلسفة عميقة.

فالكرم “ أنانية مهذبة ” لأن الكريم يعطي ليأخذ، يكرم ليستعبد النفوس ويسترق الألسنة، ويستمتع بلذة الثناء، وبهرج الاستعلاء (٤) .

وهذه حقيقة، يؤكدها واقع الحياة المعاصرة، وجدل الفكر الشعري الذي يتجلى بين الشاعر الباحث عن “ الخيال الجميل ” والثناء السائر، وزوجته الحكيمة التي تتحدث بلغة الحياة، ورؤية الإنسان الخائف، ولا ينفيها ترغيب الإسلام في الكرم والحث عليه كقوله صلوات الله وسلامه عليه: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) (٥) .


(١) نفسه ص ٧٠.
(٢) نفسه ص ٧٠.
(٣) نفسه ص ٧١.
(٤) نفسه ص ٧١.
(٥) صحيح مسلم، كتاب الإيمان باب الحث على إكرام الجار والضيف ١ / ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>