كما يمكننا القول إن الهاء التي قد تلحق بعض الأسماء لغرض الوقف أو الاستراحة كما قال النحاة وعلماء الأصوات – إنما هي تابعة لنفسية المتكلم، وتنبىء عن حالة معينة يعيشها، ونفسية خاصة انعكست بداخلها تلك الحالة التي يعيشها والأحاسيس التي يحس بها، ففي مثل قوله تعالى:(وأَمّامَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمالِهِ فيقولُ يا لَيْتَني لَمْ أُوتَ كتابِيَهْ، ولم أَدرِ ما حِسابِيَهْ، يا ليتها كانت القاضيةَ ما أَغْنى عنّي مالِيَهْ هَلكَ عنّي سُلطانِيَهْ ((الحاقة ٢٥، ٢٩) . فهذه الآيات جاءت صياغتها على لسان من رفض الإيمان بالله، وأنكر البعث والحساب، وعند بعثه، ومشاهدته ليوم الحشر عياناً، ورؤيته هول ذلك اليوم، أسقط في يده وعجز عن الدفاع عن نفسه ولو بكلمة واحدة، أيقن أن العذاب محيط به، وأنه هالك لا محالة، وإن كل ما كان يعتز به في دنياه قد ذهب عنه، فلم يبق له مال ولاجاه، وأن لانجاة له، ولابد من مواجهة مصيره المحتوم وهو الخلود في نار جهنّم. فانطلقت تلك العبارات على لسانه في عتاب للنفس بصوت حزين متهدج ونبرة محشرجة، لقد أحسّ بالتعب والعجز، إنه منهار تماماً أمام الهول العظيم الذي يراه والمصيبة الكبرى التي أوقع نفسه فيها، فبدا وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، نادماً على مافات بعد أن أيقن العذاب، فسمعت تلك الزفرات التي انتهت بها جمله وكأنه صوت الهاء. فهو لا يقصد نطق الهاء، وأن ما سمع وكأنه هاء ليس إلاّ اندفاع الهواء في سرعة واضطراب تناسب خفقات قلبه المنهار. ولو كان هذا الرجل في حالة نفسية مستقرة، ووضع طبيعي يبشر بالخير لاختلف حديثه واختلفت نبراته وسمعت كلماته بصورة أخرى تغاير الصورة التي سمعت بها.