للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن المتأمل في كلام المعطلة والمؤولة للصفات أو بعضها ومنها الرضا، ليجد أن العقل إذا لم يخضع للنصوص من الكتاب والسنة فيثبت ما أثبتت وينفي ما نفت، فإنه يزيغ عن الحق، ويبعد عن الهدى، ويفقد الاطمئنان، ولايذوق طعم الإيمان، كما يذوقه المؤمنون الصادقون الذين آمنوا بالله رباً، آمنوا بربوبية الله، آمنوا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا آمنوا بأن له - سبحانه - ذاتاً لاتماثل الذوات، وأن له أسماء وصفات لاتماثل سائر الصفات.

ولقد أدرك كثير من المعطلة للصفات والمؤولة لها أنهم أخطأوا الطريق الصحيح ولكن متى في أواخر الأعمار فقال بعضهم لما وصل إلى الحيرة في هل الصفات زائدة على الذات أم لا؟ وهل الفعل مقارن للذات أو متأخر عنها؟ قال: من الذي وصل إلى هذا الباب؟ أو ذاق من هذا الشراب؟ ثُمَّ أنشد:

نهاية إقدام العقول عقال

وغاية سعى العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا

وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا (١)

ثُمَّ قال: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولاتروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (٢) . {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (٣) وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (٤) ، {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (٥) . ثُمَّ قال: {ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي} (٦) .

وذكر الآخر أنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلاَّ الحيرة والندم، حيث قال:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها

وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أرَ إلاَّ واضعاً كف حائر

على ذقن أو قارعاً سن نادم (٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>