أمَّا في الحال الثانية فيلزم منه تعطيل الله - تعالى - من صفة الرضا؛ لأن الصفة لاتقوم إلاَّ بالموصوف- كما سبق - فإن قامت بغيره كان وصفاً لغيره، ولابد أن يوصف بها ذات أخرى، وهذا معناه أن الرب - سبحانه وتعالى- لم يتصف بصفة الكمال صفة الرضا، وهذا تنقص لله وهو كفر بيّن.
وإذا علمت بأن الصفة لاتقوم بنفسها بل تقوم بغيرها ففي هذه الحال: إمَّا أن تكون صفة للخالق - سبحانه - قائمة به وإمَّا أن تكون صفة للمخلوق قائمة به ولابد، فالحياة والمحبة والإرادة والعلم والرضا والقدرة وغيرها من الصفات إذا أضيفت لشيء كانت وصفاً له تابعة لمن قامت به.
فإذا أضيفت إلى الخالق - سبحانه - فهي صفات له قائمة به غير مخلوقة؛ لأنه الخالق - سبحانه - لكل شيء وإذا أضيفت إلى المخلوق فهي صفات له قائمة به مخلوقة؛ لأنه مخلوق.
فلما أضاف لنفسه رضا، ووصف نفسه به؛ كان رضاه غير مخلوق؛ لأنه تابع له، فذاته غير مخلوقة، وكذلك صفته، إذ يتنزه عند أهل السنة والجماعة عن الاتصاف بمخلوق، كما أن أهل البدع ينزهونه عن قيام الحوادث به فيلزمهم ذلك: القول بأن الله متصف بالرضا والرضا غير مخلوق.
المبحث السابع: مناقشة المخالفين للحق في صفة الرضا
تمهيد:
تستوقف المؤمن المتدبر لكتاب الله آيات إثبات صفة الرضا لله - سبحانه وتعالى -، بل وتدفعه إلى زيادة الإيمان بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً ونبياً، فيرغبه ذلك في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والاستقامة على شرع الله، والاهتداء بهدي رسول الله - (-.
ولكن في نفس الوقت يعجب كل العجب ممن يتأول هذه الصفة أو يعطلها، زاعماً أن ذلك هو الحق، وقد اشتبه عليه الحق بالباطل، فانقلبت لديه المفاهيم، فسوى بين المختلفات، وفرق بين المتماثلات.
ولقد تبين لي بعد البحث والتأمل: أن ذلك يسبب قسوة في القلب، وبعداً عن الحق.